كما هو معروف، أسفرت نتيجة الانتخابات العراقية التشريعية المبكرة عن فوز (التيار الصدري) بعد أن تصدر بحصوله على (73) مقعدًا، وهي نتيجة ليست بغريبة، بل ومتوقعة، على اعتبار أنه الحزب الأكثر شعبية وقوة في العراق، ولأنه يركز على حماية السيادة العراقية ووضع حد للتدخلات الإقليمية في الشؤون الداخلية ويتطلع إلى تطبيع علاقاته مع العالم العربي، إلا أن هذه النتيجة لم ترضِ (إيران) التي رأت بأن الخسارة التي مني بها حلفاؤها في تلك الانتخابات تعد خسارة لها، فأرسلت قائد فيلق القدسالإيراني الذي وصل العراق في يوم إعلان النتائج واجتمع مع قادة الأحزاب المتحالفة مع بلاده لتنسيق مواقفهم، وتحريضهم على رفض النتائج، ومعروف بأن علاقة (الصدر) بإيران غير جيدة، فهو لا يؤمن بولاية الفقيه التي يقوم عليها النظام السياسي الإيراني، وكان والده أيضًا لا يؤمن بذلك، وجاهد الصدر من أجل وضع مسافة بينه وبين (طهران) وتبنى خطابًا معاديًا للطائفية، وفي حقيقة الأمر فإن المحتجين على نتيجة الانتخابات يخشون من أن يتجه التيار الصدري إلى تشكيل حكومة جديدة مع قوائم سنية وكردية تقصي قيادات شيعية كانت تسيطر على المشهد السياسي العراقي منذ عام 2003. ولم يكن هذا الفوز هو الأول للتيار الصدري، ففي انتخابات عام 2018 فاز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية مما منح حزبه السيطرة على الوزارات ومناصب الخدمة المدنية العليا، وهو الآن يتطلع إلى إخراج العراق من دائرة النفوذ الإيراني، وقال مقتدى الصدر عقب الانتصار الذي حققه: لقد حان الوقت الآن للعيش بسلام دون احتلال أو إرهاب أو مليشيات تختطف وترهب وتنتقص من دور الدولة، وفيما صعدت الأحزاب الموالية لإيران من احتجاجاتها باندلاع مظاهرات وقطع طرق رافضة نتيجة الانتخابات، فإن زعيم التيار الصدري وصل إلى بغداد للقاء شخصيات سياسية، والإشراف على المفاوضات مع الكتل الفائزة بالانتخابات لتشكيل الحكومة المقبلة. القوى الخاسرة اتهمت أطرافًا خارجية بتغيير النتائج، وحملت مفوضية الانتخابات المسؤولية الكاملة عن فشل الاستحقاق الانتخابي وسوء إدارته، بينما أنه في حقيقة الأمر فإن من بين الأسباب الحقيقية لسقوطهم هو عزوف ناخبيهم عن المشاركة والامتناع عن التصويت لهم، وفيما يخص رئيس الوزراء (الكاظمي) فقد أوفى بوعده في إجراء انتخابات مبكرة، وقال: (أوفينا بعهدنا أمام شعبنا بإجراء انتخابات نزيهة مبكرة، والناس اختارت من سيمثلها، وهؤلاء النواب الجدد سيمارسون دورهم في مجلس النواب الجديد. الأحزاب المنهزمة التي ترفض نتائج الانتخابات وهي (الإطار التنسيقي) الذي يجمع (10) أحزاب شيعية تنادي بإعادة العد والفرز لكن بشكل يدوي لتتمكن من التزوير وإضافة الأصوات إلى الصناديق بشكل عشوائي، وفي نفس الوقت تلوح باستخدام قوة السلاح لتدخل البلاد في أتون الاقتتال الداخلي، والمشهد ما زال ضبابيًا في بلاد تطغي عليها خلافات الأحزاب، وتهيمن عليها تدخلات إيران، فهل يحظى العراق هذه المرة باستتباب الأمن في ربوعه بعد أن اختار شعبه ممثليه؟ نتمنى ذلك.