احتوت الجزيرة العربية على نقوش كتابية انتشرت في معظم أرجائها، وقدمت معلومات عن المجتمع العربي، على اختلاف موضوعاتها، منها ما كان يتعلق بالجانب الديني كأسماء المعبودات والطقوس الدينية، والاجتماعي كالتي كانت تتعلق بالأحوال الشخصية من زواج وطلاق وأسماء أشخاص وغيرها، ومنها ما كان يقدم معلومات جغرافية كأسماء القبائل والأماكن، ومنها ما كان يخص الجانب الاقتصادي مثل: المهن والحرف، والعملات، وغيرها، .. وانتشار هذه النقوش وعددها الكبير يعطينا دلالة على المستوى المعرفي والثقافي الذي وصل إليه المجتمع وعنايته بالكتابة والتوثيق. وهذه النقوش أتت إما محفورة على واجهات الصخور مرتبة أو عشوائية على حسب قدرة الكاتب ومهارته، كما وجدت على واجهات المباني كالمعابد والمنازل وشواهد القبور وغيرها.. والنقوش هذه على اختلاف مضامينها منها المؤرخ وغير المؤرخ؛ حيث أرخ مجتمع الجزيرة القديم بالأحداث المشهورة أو حكم الملوك. ففي جنوب الجزيرة عرف الخط المسند الجنوبي منذ الألف الأول قبل الميلاد، ورغم انتشاره بشكل كبير في الجنوب، إلا أنه انتشر أيضاً في شرق الجزيرة والفاو ونجران والعلا.. وفي شمال الجزيرة العربية عرف الخط الثمودي منذ القرن 8ق.م، والصفوي والآرامي والداداني اللحياني، والنبطي. ومن هذه النقوش يمكن استنباط مادة تاريخية مما ورد فيها، وقد تعكس أيضاً مشاعر الإنسان من حب وخوف وشوق وحزن وفرح وسعادة، وهي بذلك توضح معظم جوانب حياة مجتمع الجزيرة العربية، كيف مارسها؟ ومراحل تطورها باعتبارها الشاهد الصادق على ما عاشه إنسان تلك الحقبة من التاريخ، وتؤكد العمق الحضاري والثقافي للمنطقة.. وعرفت الكتابة كمهنة مارسها المجتمع العربي القديم. واليوم نكتب بخط واحد هو الخط العربي «نسخ أو رقعة»، ولغة واحدة على اختلاف لهجاتها داخل الجزيرة العربية وخارجها، وأصبح التوثيق والحفظ اليوم أكثر تنظيماً، وله دور حفظ وأرشيف. فكل وزارة أو إدارة تحفظ وثائقها، على سبيل المثال: محكمة الأحوال الشخصية تكتب وتحفظ كل ما يتعلق بالجوانب الاجتماعية من زواج وطلاق، ووزارة التجارة تكتب وتحفظ ما يتعلق بالقوانين والبنود التجارية وتنظيم العمل وإصدار السجلات التجارية، ووزارة المالية تحفظ وثائق إيرادات الدولة، والرقابة المالية، والحسابات العامة للدولة، ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد تهتم بكل ما يتعلق بالشؤون الدينية، والأمثلة كثيرة.. ويعدُّ المركز الوطني للوثائق والمحفوظات المؤسسة الحكومية الرئيسة التي تقوم بجمع الوثائق وتصنيفها وفهرستها وترميزها وصيانتها، وتنظيم آلية تداولها. إن ما وصل إليه المجتمع اليوم من تقدم وتطور يعود إلى ما ورثناه من أسلافنا، ونحن بدورنا نفخر بهذا الإرث التاريخي الحضاري.