هذا شهرنا قد جاء وحضرنا وكان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يبين فضل رمضان لأصحابه حتى يعلموا قدر هذه النعمة العظيمة، فإن بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة على من أقدره الله عليه، ومن رُحم في رمضان فهو المرحوم، ومن حرم خيره فهو المحروم، لذا خص الله-جل ذكره- شهر رمضان بفضائل عديدة وخصائل كثيرة تجعل منه محطة هامة، ومعلماً بارزاً في سنة المسلم، مما يجعله ينتظر قدومه، بل يسأل الله أن يبلغه ذلك، بكل شغف ويستعد له قبل مقدمه بمدة كما كان يفعل أسلافنا-رحمهم الله- وما ذلك إلا لاغتنام النفحات الربانية والتخفيضات الموسمية التي ترافق حلول هذا الضيف العزيز فلنجتهد في كثرة قراءة القرآن المبارك ومدارستهِ لا سيما في هذا الشهر الذي أنزل فيه فإن لكثرة القراءة فيه مزية خاصة حيثُ كان جبريل يعارض النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان كل سنة مرة فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه مرتين تأكيداً وتثبيتاً، وكان السلف الصالح-رضي الله عنهم- يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان في الصلاة وغيرها، وكان الزهري-رحمه الله- إذا دخل رمضان يقول: إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام، وكان مالك-رحمه الله- إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومجالس العلم وأقبل على قراءة القرآن من المصحف.. وكان قتادة-رحمه الله- يختم القرآن في كل سبع ليال دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأخير منه في كل ليلة. ومن الأمور المعينة على تحقيق الغاية من تلاوة القرآن إخلاص النية لله-عز وجل- والقراءة بقلب حاضر، متدبر ومتفهم لما يتلو، وتحسين الصوت بالقرآن وترتيله ترتيلاً جيداً، ويسجد إذا مر بالسجدة. إن أقل ما نفعله في هذا الشهر الكريم هو أن نعود أنفسنا على الإكثار من تلاوة القرآن، والالتصاق به، وذلك حتى يتسنى لنا عرض حالنا وأعمالنا على هذا النبع الصافي والصراط المستقيم والمحجة البيضاء، لمثل هذا فليعمل العاملون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. اللهم اجعلنا من أهل القرآن، ووفقنا إلى إنزاله المكانة التي تقربنا به إليك. * ختاماً: وصية النبي-صلى الله عليه وسلم- للصحابي: «أوصيك بتقوى الله تعالى وتلاوة القرآن فإنه روحك في السماء وذكرك في الأرض».