لقد استوقفني كثيرًا ما كشفه الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ الدكتور عبد الرحمن السند لبرنامج «سؤال مباشر» الذي بثتّه قناة العربية يوم الجمعة الأول من يناير عام 2021م، ما كان مسكوتاً عنه وهو تغلغل الإخوان في هيئة الأمر بالمعروف ووزارة التعليم وغيرها من مؤسسات الدولة، فهناك من انتمى وتعاطف مع جماعة «الإخوان»، وكذلك كشفه استغلال الإخوان والسروريين هيئة الأمر بالمعروف التي تسللوا إليها لتحقيق هدفهم للوصول إلى الحكم!، بإيغار الصدور على ولي الأمر وأجهزة الدولة حتى يبغضها الناس، ثم ينفذون إلى إرادتهم، ومن الوسائل التي اتبعوها: اقتحام البيوت، والتجسس على الناس، ومطاردتهم بالسيارات التي أودت بحياة البعض، وملاحقة الفتيات في الأسواق وضربهن أمام المارة واقتيادهن للتحقيق معهن، وإكراههن على الاعتراف بأمور لم يقمن بها، وزج الشباب في البوكسات أثناء احتفالهم في الشوارع باليوم الوطني وحملهم أعلام وطننا الحبيب، ومداهمة معارض الكتب والمهرجانات، والحفلات المدرسية للبنات، بل محلات تصفيف شعر النساء، ومحلات العباءات النسائية، وقصها لوجود بعض الألوان بها لتحقيق مآرب قاداتهم السياسية. وكانوا يهدفون من هذا إلى تكفير المجتمع والحكومة ليبرروا العمل على إسقاط الدولة تحت ذريعة تجديد الدين ويقروا حكم دولة الخلافة التي يهدفون إلى إقامتها متمثلة في عودة الاحتلال العثماني التركي للبلاد العربية، وهم بهذا نفّروا شبابنا ذكوره وإناثه على الخصوص من الدين، وبدأ بعض الفتيات السعوديات الهرب إلى خارج المملكة وطلب اللجوء السياسي استجابة إلى دعوات بعض الجهات الخارجية التي استغلت اضطهاد من ينتمون للإخوان والسروريين من أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل نجد دعاة الإلحاد والإرهاب استغلّوا ما هيأه هذا الدور الذي قام به الإخوان والسروريون لتقبل الشباب جرّهم إلى الإلحاد أو الإرهاب . هذا وإن تمكنّت هيئة الأمر بالمعروف من تقليص الوجود الإخواني والسروري، فإنّ وزارة التعليم مازالت بعض مناهجها الدراسية لم تتحرر من الفكر الإخواني رغم تنبيهي إلى خطورة هذا الفكر الذي يخدم أهدافهم التي يسعون إلى تحقيقها، وذلك عبر مقالات نشرتُ لي في هذه الجريدة على مدى ما يقارب السنتين من خلال قراءات متأنية للمناهج الدينية ومناهج التاريخ في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية وبعض مناهج الثقافة الإسلامية في بعض جامعاتنا. وقبل كتابتي لهذا المقال اطلعتُ على مناهج الدين والتاريخ للمراحل الدراسية الثلاث التي تُدّرس هذا العام (1442)، فوجدتُ بعضها على ما هي عليه دونما تغيير، مثل مادة الحديث في المرحلة الثانوية لعام 1442 الوحدة الثانية، فقد ورد هذا الحديث: «بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاء» أخرجه مسلم. [ص 18] وعند بحثنا عن سند هذا الحديث نجد أنّ مسلم انفرد به عن البخاري، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن. ورواه الترمذي في سننه في كتاب الإيمان، باب ما جاء أن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا، رقم الحديث (2629)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن مسعود إنّما نعرفه من حديث حفص بن غياث عن الأعمش، وأبو الأحوص اسمه عوف بن مالك بن نضلة الجشمي، تفرد به حفص (في المطبوعة جاء الإسناد هكذا: «حدثنا أبو حفص بن غياث»، والصواب حفص بن غيث، ورواه ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال، ترجمة سليمان بن حيان أبي خالد الأحمر، ومدار هذا الحديث على الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله. والأعمش هو سليمان بن مهران الأعمش: ثقة حافظ مدلس، من الطبقة الثانية، وقد روى عن أبي إسحاق، وروى عنه أبو إسحاق [التقريب وتهذيب الكمال] وأبو إسحق هو: عمرو بن عبد الله الهمذاني السبيعي ثقة عابد اختلط بآخره، وهو مدلس من الطبقة الثالثة.[التقريب والتهذيب] وأبو الأحوص: عوف بن مالك بن نضلة الجشمي: ثقة [التهذيب والتقريب]. فهذا الإسناد: ضعيف، لاختلاط أبي إسحق السبيعي وتدليسه. في مطبوعة الزهد الكبير للبيهقي حفص بن غياث عن أبي إسحق عن أبي الأحوص»، وفي سائر المصادر أنّ بين حفص، وأبي إسحاق الأعمش. هذا من حيث الإسناد، أمّا من حيث المتن، فقد فسر الإخوان ومن يسير في فلكهم أنّ غربة الإسلام الثانية بدأت بسقوط الدولة العثمانية عام 1924م، والتي اعتبروها دولة الخلافة، وهذا أدى إلى فساد المجتمعات، بل وصل بهم الأمر إلى تكفير المجتمعات الإسلامية وحكوماتها وحكامهم، ولابد من إسقاطهم واستعادة دولة الخلافة، ويظهر هذا الفكر في إرشادات الحديث الآتية: «بدأ الدين غريبًا؛ حيث لم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر إلّا القليل من الناس على خوف من أقوامهم واضطهاد منهم، ثم ارتفع شأن الدين وانتشر في الأرض، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنّه سوف يعود بعد ذلك غريبًا كما بدأ لا يعرفه حق المعرفة إلّا القليل من الناس وهؤلاء هم الغرباء.. لغربة الدين مظاهر متعددة وهي في الجملة (كل ما يباعد بين الناس وبين الدين الحق الذي جاء به محمد وصور ذلك : ضعف التوحيد في بلاد الإسلام وانتشار الشرك. ضعف الدعوة إلى الحق وظهور الدعوة إلى الباطل. تشبه المسلمين بالكافرين وظهور الدعاة إلى التغريب. ضعف السُنّة وانتشار البدعة. ظهور الفتن التي تضعف الدين في النفوس.[ص 20]. وهذه الإرشادات تمثل الفكر الإخواني، وهذا ما سأتحدث عنه في الحلقة القادمة إن شاء الله.. فللحديث صلة.