قبل ظهور وسائل وبرامج التواصل الاجتماعي كانت النخب المثقفة تقف على فلترة ما يطفو على سطح الساحة الإعلامية والأدبية وأصبح المتلقي يلتقط وجبة دسمة من الثقافة والمعلومات ما يضيف لمخزونه اللغوي والمعرفي الشيء الكثير. كانت قنوات إثراء الساحة الأدبية والإعلامية قليلة لكنها مفيدة وما يظهر بها إلا ما ينفع الناس إلقاءً واختياراً وضيفاً ومقدماً وهدفاً راقياً، حتى ان المقدمين ومحرري الصفحات ومعدي البرامج في تلك الحقبة نحتوا اصواتهم وصورهم واسمائهم في ذاكرة الجيل فكان من جمال ما يُعرض احب الناس الثقافة وآسرتهم ونما في دواخلهم نهمٌ كبير لتلقي المزيد والبحث بين السطور من المؤلفات المشهورة لزيادة ارصدتهم المعرفية حتى الصحف الورقية لعبت دورًا في اثراء ثقافة المجتمع ولكن ماذا تغير في العقود الاخيرة فمع بداية الهواتف المتنقلة (الجوال) وانفتاح الفضاء الاعلامي انتشرت القنوات الفضائية الدعائية والتي تعتمد على الرسائل النصية القصيرة فانحدرت قيمة ما يعرض ناهيك عن نصوص رديئة انكرها من انكرها وتعايش معها من تعايش وألِفها الجيل اللاحق فنمت في ظلال هذه الفترة وسائل التواصل الاجتماعي التي بدأت تسحب البساط عن الفضائيات رويداً رويداً فتخصصت في محتواها وتنوعت في موادها وانتشرت بصورة جعلت من الصعوبة ان تجد ماهو سمين بين كثرة ماهو غث، فكل وسيلة اختطفت عدد كبير من الجماهير واصبح البعض يطارد متنقلا بين تلك الوسائل وبرز ما عُرف عنهم بالمشاهير فكثيراً منهم على خلفية جوفاء من العلم والمعرفة فاصبحوا يقودون القطيع وانتشرت عدوى التقليد وملّ الناس من ضجيجهم وراجت تجارة الاعلانات على منتجات لا يعرف مصدرها ولا مدى صلاحيتها واختلط الاعلان بالاعلام وفقد الطرح مهنيته والعمل أهليته فاستحل الفرد دور المؤسسة يعدُ ويحرر ويخرج محتواه فقليل من يجيد وكثير من هم مع الخيل ياشقراء. فحين نراجع ما حدث ليس المشكلة في وسائل التواصل الاجتماعي التي لم تستغن عنها الادارات الحكومية والمؤسسات الاعلامية والشخصيات القيادية ولكن يعود السبب في اننا فقدنا أولئك النخبة الذين يفلترون ما يظهر للساحة وينتقون الافضل وإلا من سمح للغثاء ان يطغى؟!.