* انتشار اللغة الهابطة في وسائل التواصل بشكل كبير ولافت؛ أمر مؤسف ومحير في آن، فتلك اللغة التي كانت حتى عهد قريب تتوارى خجلا عن أعين الناس؛ أصبحت اليوم مطروقة وبجرأة عجيبة، بل إن نجومها باتوا قدوات وأبطالا في أعين بعض الجهلة الذين يرون في بذاءاتهم شجاعة وقوة بيان، بينما الواقع أنها جرائم وتعديات يعاقب عليها القانون.. المضحك المبكي أن هذه التجاوزات ترتكب باسم حرية الرأي تارة، وباسم الدفاع عن الدين أو الوطن تارات أخرى، وكأن الوطن والدين بحاجة إلى بذاءاتهم وهشاشتهم الفكرية التي كثيراً ما أحرجتنا وأدخلتنا في خصومات لا داعِ لها!. * عندما تكون هناك شخصية يتابعها مئات الآلاف وكل ما تجيده هو فتح صنابير السب والشتم وترويج الكلام الجارح فإننا بالتأكيد أمام انقلاب اجتماعي وتربوي يستوجب التدخل السريع.. وعندما يدّعي بعض هؤلاء الشتامون وصلا بالإعلام، رغم انهم لا يملكون أبسط مقومات المهنة ولا حتى الركيزة الثقافية التي تساعدهم على طرح قضايا مفيدة او نقد ما هو موجود، وأن كل مؤهلاتهم ألسنة حداد يسلطونها على خلق الله، فإننا بالتأكيد أمام انقلاب اعلامي أكبر وأشد حاجة للتدخل والتصحيح. * يقول رالف ايمرسون: «إذا كان هناك رأي مبدع فهناك نقد مبدع أيضاً».. وأقول إذا كان النقد ظاهرة عقلية انسانية بناءة ترتكز على كم معرفي وأخلاقي، فان الناقد الحقيقي هو من يطرح نقده ضمن أخلاقيات الحوار والنقد؛ وليس كما يفعل الجهلة الذين ينثرون بذاءتهم ضد الشخص وينظرون للترفع الأخلاقي على أنه عجز.. ان اللجوء الى العنف اللفظي والهجوم الشخصي دليل واضح على عجز معرفي ولغوي قبل أن يكون عجزًا اخلاقيًا، تمامًا كما كانت الجماعات المتطرفة تلجأ للسلاح والعنف والترهيب عند عجزها عن الرد الفقهي. * لاشك أن لقدرة وسائل التواصل على النفاذ إلى أكبر عدد من الناس، إضافةً إلى إمكانية الاختباء خلف أسماء مستعارة دور في انتشار الظاهرة، لكن هذا الخلل الأخلاقي يقوم في رأيي على خلل تربوي في الأساس، لذا تبدو المطالبة بمعالجته تربوياً منطقية جداً؛ من خلال إيجاد مناهج تؤسس للنقد والتفكير المنطقي في التعليم العام، إضافةً إلى رفع المستوى الثقافي والمعرفي للأسرة والتأكيد على دورها المهم، إلى جانب إيجاد قوانين صارمة تمنع الإساءة والتشهير بالآخرين. * قديماً كان لكل قوم أحمقهم، وأحمق القوم شخصية مهمة؛ وذات تأثير استراتيجي في حالات الحرب والسلم، فعلى لسانه يمرر العقلاء ما يريدون قوله، و ما لا يستطيعون قوله مباشرة.. المشكلة أن هذه الشخصيات الحمقاء قد تحمل من الخطورة أضعاف ما قد تجلب من فوائد، فأحياناً تستغل من قبل الخصوم بنفس الطريقة، فتصوب حربتها للداخل، وتنثر بذاءاتها في الاتجاه والوقت الخطأ.. وتزداد المشكلة عمقاً حين يروج لبذاءاتهم بعض السذّج بصفاقة، رغم ما قد تحمله من اساءات وحماقات تهيئ للفوضى، وتشعل نيران التعصب والطائفية والعنصرية.