يرتبط التعليم بعلاقة وثيقة باقتصادات الدول وعوامل النمو الاقتصادي فيها، حيث يساعد في رفد الاقتصاد الوطني لأي بلد بالكوادر المهنية المؤهلة، والتي تتيح للتنمية الاقتصادية أسباب الازدهار والتقدم، وتقوم تلك العلاقة على أساس التأثر والتأثير بين التعليم والاقتصاد، حيث يقوم التعليم بإعداد الطلاب في القطاعين العام والجامعي والتدريب المهني وتأهيلهم لسوق العمل وممارسة كافة الأنشطة الاقتصادية المختلفة، ويقوم الاقتصاد من جهته بأدواره التي تلقي بتأثيراتها على التعليم من خلال الإمكانيات المادية المحركة لمختلف الفعاليات والأنشطة والبرامج والممارسات التربوية والتعليمية. وتتميز التنمية الاقتصادية في المملكة العربية السعودية بارتباطها بخطط تنموية ذات منطلقات وأهداف ورؤى تؤكد الرغبة في دفع عجلة التنمية بمختلف مجالاتها البشرية والاقتصادية والعلمية والثقافية والاجتماعية، وقد مرت المملكة العربية السعودية خلال تاريخها بمجموعة من الخطط التنموية التي ساهمت في تنظيم شؤون الدولة والكشف عن أبرز مواطن القوة ومواطن تحسين الفرص في الاقتصاد الوطني، وقد أشار التقرير السنوي لوزارة الاقتصاد والتخطيط في المملكة العربية السعودية للخطة التنموية العاشرة التي ترتكز على خمسة محاور رئيسة، تشكل فيما بينها إطارًا متكاملاً لمواصلة التنمية الشاملة والمتوازنة وتسريعها خلال السنوات القادمة، فضلا عن إرساء دعائم التنمية المستدامة على المدى البعيد، وهي في مجملها تؤكد مواصلة جهود تحسين مستوى المعيشة ونوعية الحياة للمواطنين، وتنمية القوى البشرية الوطنية وزيادة توظيفها، والتطوير الهيكلي للاقتصاد السعودي، والتنمية المتوازنة بين المناطق، وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني والمنتجات السعودية في السوق المحلي والأسواق الخارجية. وقد توج قرار مجلس الوزراء ذي الرقم 308 في تاريخ 18/ 7/ 1437 ه العمل التنموي بالموافقة على قرار رؤية المملكة العربية السعودية 2030م والتي تحتوي على مجموعة من الأهداف والمبادرات والبرامج والمشروعات التي تساعد في رسم ملامح التنمية في المملكة للأعوام القادمة، حيث اشتملت مبادرات رؤية السعودية2030م الخاصة بوزارة التعليم على 108 مبادرات مستمدة من الأهداف الإستراتيجية للرؤية، تأكيداً على اهتمام الرؤية بالتعليم والتدريب وبناء الإنسان، وقد جاء الهدف الثاني من أهداف الرؤية ليؤكد تعزيز قدرة نظام التعليم على تلبية متطلبات واحتياجات سوق العمل كما جاء في الهدف الثالث من أهداف الرؤية العمل على تعزيز القيم والمهارات الأساسية للطلاب، وقد تضمنت وثيقة سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية مجموعة من المبادئ التي تتناغم مع المبادئ التربوية المعززة لاكتساب المهارات والمشاركة في الأنشطة الاقتصادية والتنموية، كمبدأ التربية على العمل، الذي يؤكد على إعداد المتعلمين للعمل والعناية بالربط بين المعارف والعمل باعتبارهما رئيسين في الخبرة العملية، إضافة إلى مبدأ إعداد المتعلمين لتحقيق مطالب وحاجات التنمية وربط التربية والتعليم بخطة التنمية العامة للدولة. وقد أشار الفصل الثالث من وثيقة استشراف العمل التربوي في دول الخليج (التعليم والواقع الاقتصادي) الصادرة عن مكتب التربية العربي لدول الخليج إلى مجموعة من التحديات التي تواجه الأنظمة التعليمية في علاقتها بالواقع الاقتصادي ومنها (ضعف تطابق مخرجات الأنظمة التعليمية مع متطلبات سوق العمل, وافتقار الأنظمة التعليمية للمرونة والتكيف مع الاحتياجات المتغيرة, نمطية التعليم الثانوي وعدم اهتمامه بالبرامج التقنية والتطبيقية). وترتبط المهارات بكافة مجالاتها ومساراتها ارتباطاً وثيقاً بكل عمل يؤصل لكافة المهن التي يشغلها معظم فئات البشر والتي تسهم في تنمية البلاد، فالحرف الخدمية البسيطة والصناعة والتجارة والتسويق وقطاع الأعمال والخدمات الإلكترونية وقطاع التعدين وقطاع الكهرباء وتقنيات الفضاء والصناعات العسكرية والاتصالات والرقمية وأمن المعلومات والصناعات الدوائية وريادة الأعمال وصناعة الترفيه والسياحة وغيرها من القطاعات والمهن التي تسهم في دفع عجلة التنمية، جديرة بأن يتعلم أبناؤنا وبناتنا مهاراتها ومفاهيمها وأدبياتها ومواثيقها ومبادئها وأهميتها، ولا شك أن التعليم بكافة برامجه ومشروعاته يجب أن يضطلع بمسؤولياته حيال دعم هذه القطاعات التنموية. وقد جاء قرار اعتماد مشروع تطوير مسارات الثانوية العامة والأكاديميات المتخصصة والذي سينطلق في العام الدارسي 1443/ 1444ه ليرسم ملامح حقبة تعليمية جديدة ويؤكد أننا أمام قفزة تعليمية نوعية قادمة ستسهم في تغيير مفاهيم التعليم التقليدي، وستجعلنا أمام نمط تعليمي تنافسي قادر على تحقيق متطلبات رؤية السعودية 2030م. ولا شك أن هذا القرار جاء ليؤكد ما يتلقاه التعليم في بلادنا من دعم كبير من قيادتنا الرشيدة، ويعكس الرغبة الحقيقية في استدامة عمليات التطوير النوعي لنظامنا التعليمي، كما أن القرار يؤكد من جهة أخرى الرغبة الحقيقية لدى وزارة التعليم في تحقيق المرامي والأهداف الإستراتيجية للعملية التعليمية، والشغف الحقيقي لمواكبة متغيرات المرحلة، والتناغم مع متطلبات رؤية 2030م، ومواصلة العمل الجاد الرامي إلى بناء الجيل بناء متكاملاً مع التركيز على بناء منظومة المهارات المختلفة وفق البناء العلمي للمهارات القائم على ثلاثية الإكساب والتدريب والتمكين، ما يعني أننا بحاجة ماسة إلى توظيف كافة الأنشطة التعليمية والخبرات والبرامج والمشروعات لخدمة هذا التوجه، رغبة في رفد التنمية الوطنية بالعديد من الكفاءات الوطنية التي تمتلك جدارات نوعية تمكنها من قيادة العمل التنموي القادم. إن مشروع تطوير مسارات التعليم الثانوي والأكاديميات المتخصصة يحمل في ملامحه الأولية حزمة من المؤشرات الواعدة، والتي تجعلنا أمام حالة من التفاؤل تبشر بمخرجات ونواتج تعليمية ستقودنا لنكون ضمن أفضل الأنظمة التعليمة التي تعنى بتقديم أحدث الممارسات المتقدمة، وفي تقديري أن المشروع لن يكتفي بتقديم نقلة نوعية على مستوى النظام التعليمي فحسب، بل سيمتد أثره ليشمل النظام الاجتماعي ونظام الأسرة وتفكيرها وثقافتها واهتماماتها وتطلعاتها، فالمشروع سيقدم مفاهيماً جديدة كالرقمية في أوسع أبوابها والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء ومهارات القرن الحادي والعشرين وكل ما يحقق تعايش الطالب مع معطيات الثورة الصناعية الرابعة، وهو الأمر الذي يتطلب أن تكون الأسرة والمجتمع بصفة عامة على قدر عال من المسؤولية تجاه هذه النقلة وأن تكون هناك حالة من الوعي والنضج والتماهي مع الواقع التعليمي الجديد، لكي لا تواجه العملية التعليمة تحديات مرتبطة بالبعد الاجتماعي، ولتسهم الأسرة والمجتمع في توفير مناخ إيجابي يساعد على دعم المشروع وجعله أكثر مرونة وانسيابية، وأعتقد أن المرحلة القادمة ستشهد تقديم وزارة التعليم لحزمة كبيرة من البرامج والمشروعات التي ستسهم في تمكين الأسرة من مساعدة أبنائها وبناتها في إكمال رحلتهم التعليمية، وتحقيق المزيد من الفرص التي تجعلنا أمام تعليم نوعي معزز للمهارات وقادر على خوض غمار التنافسية وتحقيق مؤشرات أداء نوعية عبر رؤية تنموية استثنائية واعدة يحتاجها شبابنا كما تحتاجهم هي، وأن نمضي قدما بأيدي شبابنا وبناتنا من خلال استثمار طاقاتهم الحيوية بتزويدهم بالعديد من المهارات، إذ لا قيمة للطاقات الشبابية بلا تأهيل ولا مهارات.