بيّنتُ في الحلقة الماضية أنّه لا يوجد نظام خلافة نسير عليه، فمن تولى الحكم بعد الرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابة رضوان الله عليهم، كل واحد منهم تولاه بطريقة غير التي تولاها الذي قبله. وعلى المسلمين أن يختاروا من هذه الطرق ما يُناسب عصورهم وظروفهم، وكان ينادى ب»أمير المؤمنين» وبتولي معاوية بن أبي سفيان الحكم، انتهى الشورى والانتخاب في الحكم، وبدأ الحكم الوراثي المنحصر في أُسر حاكمة تتولى الحكم، وسُميِّت ب»الدولة الأموية»، نسبةً لأسرة بني أمية الحاكمة، وعند مجيء العباسيين للحكم سُمِّيت الدولة الإسلامية ب»الدولة العباسية»، نسبةً لبني العباس الحاكمين، فأين هي «دولة الخلافة» ؟ مع وضع في الاعتبار الآتي: 1. أنّ الدولة الأموية (41- 132ه/ 662- 750م) رغم أنّها حقّقت توسعًا ونهضة كبيريْن لكن فترة حكمها كانت مليئة بالثورات والقلاقل مثل ثورتي الحسين بن علي رضي الله عنه، وعبدالله بن الزبير، وانتهت بمقتلهما، وكذلك ثورات الخوارج. 2. الدولة العباسية (132- 656ه/750-1258م) ما مضى 6 أعوام على حكمها إلّا وعبدالرحمن الداخل أعلن قيام الدولة الأموية بالأندلس، وسلطة الخليفة العباسي لم تكن على نمطٍ واحد، وإنّما تفاوتت، ممّا جعل المؤرخين يُقسِّمون مدة الدولة العباسية إلى عصورٍ ثلاثة، تختلف ملامح كل عصر منها عن سواها بمقدار ما كان للخلفاء من سلطان، هي: أ. العصر الأول (132 -232ه): وفيه كان الخلفاء يتمتعون بالسلطة في الدولة الإسلامية ما عدا الأندلس، ودول أخرى بدأت تستقل استقلالًا تامًا كالأدارسة، أو استقلالًا شبه تام كالأغالبة والطّاهرية والزيادية. ب. العصر الثاني (232 -590ه): وفيه ضاعت السلطة من أيدي الخلفاء، وآلت إلى: • الأتراك (232- 334ه): مع ملاحظة أنّ هذا العصر يشمل عهد صحوة الخلافة خلال خلافة المعتمد والمعتضد، وعهد الاضطراب، وسلطة نساء القصر بعد هذه الصحوة، وعهد إمرة الأمراء في السنين العشر الأخيرة منها. • البويهيون (334- 447ه): وقد شمل سلطان العراق وفارس والأهواز وكرمان. • السلاجقة (447- 590): وقد شمل حكمهم العالم الإسلامي كله ما عدا الأندلس ومصر وشمال إفريقيا. ج. العصر الثالث: (590- 656ه) وفيه استعاد الخلفاء العباسيون السلطة، ولكن في منطقة بغداد وما حولها، وظلوا كذلك حتى دهم التتار العالم الإسلامي، ودمروا صورًا ضخمة من حضارته، وقتلوا الخليفة العبّاسي، وأنهوا أسرة بني العبّاس. وفي العصريْن الثاني والثالث قامت أيضًا الدولة الطولونية في مصر (254- 292ه)، ثمّ قامت الدولة الأخشيدية (323- 358ه/ 945-969م)، وقامت الدولة الفاطمية في تونس، ثم في مصر (358- 567ه/ 969-1171م)، وقامت دولة المرداسيين في حلب (414-472ه /1023-1079م)، ودولة البوريين في دمشق (497- 549ه/ 1103-1154م) والدولة الزنكية في الموصل والجزيرة، وسوريا، ومصر (521- 660ه/ 1127-1262م) والدولة الأيوبية في مصر وسوريا (564- 648ه/ 1169-1250) ودولة المماليك في مصر وسوريا (648-923ه/ 1250-1517م) وكذلك في الهند وإندونيسيا. ثمّ احتل العثمانيون البلاد العربية على مدى أربعة قرون (1516- 1924م)، وكان حكّامها يُسّمون ب(السلاطين)، فإن كانت الخلافة كما يزعم دعاة (دولة الخلافة) تحفظ الدين والعرض والنّفس والمال، وتحمي الثغور، لماذا وقعت الولايات العثمانية في البلاد العربية والإسلامية تحت سيطرة الاستعمار البريطاني والفرنسي والهولندي والأسباني والبرتغالي والإيطالي في ظل حكم الدولة العثمانية، وليس بعد سقوطها (1924م)؟. فأين هو نظام الخلافة في الإسلام، لا يوجد نظام ثابت لها، وقد ورّطت جماعة الإخوان وما انبثق عنها من جماعات مسلحة تحت مسميات مختلفة عدداً كبيراً من شباب الإسلام في قتال المسلمين، والقيام بعمليات إرهابية تحت شعار تكوين دولة الخلافة؟. وما إصرار دعاة «دولة الخلافة» على القول: إنّ الرسول صلى الله عليه وسلم في حروبه ضد المشركين والفتوحات الإسلامية في العهود الراشدي والأموي والعباسي لنشر الإسلام، واستثمارهم لمصطلح (حروب المرتدين)، ليُبرِّروا لأنفسهم مقاتلة المسلمين بعد تكفيرهم، لإقامة ما أسموها ب(دولة الخلافة)، وللأسف نجد في مناهج الدراسات الاجتماعية هذه المصطلحات مع الإصرار على القول: إنّ المواقع التي حدثت بين الرسول والمسلمين، وبين أعداء الدولة الإسلامية في المدينة من مشركي مكة واليهود والروم، وكذلك الفتوحات الإسلامية كانت لنشر الإسلام، كما نجد فيها الاستدلال بحديث ضعيف للتأكيد على مصطلح الخلافة؛ إذ نجد بدء درس «الخلفاء الراشدون» لخامس ابتدائي بهذا الحديث: قال النبي صلى الله عليه وسلم «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسّكوا بها وعُضّوا عليها بالنواجذ». للحديث صلة.