عقدت أمس جلسة النطق بالحكم على الرئيس السوداني المعزول، عمر البشير، في قضية الفساد المالي، في الخرطوم. وبعد تقدم القاضي الناظر في القضية بالشكر لوزارة الدفاع والداخلية والهيئة الاتهامية، فضلًا عن الصحافيين والإعلام عامة الذي واكب تلك القضية، وتحقق من حضور أعضاء هيئة الاتهام.. ثم أعلن تفاصيل توقيف البشير والاتهامات الموجهة إليه، لا سيما العثور على مبلغ 6 ملايين يورو وغيرها في منزل البشير بعد مداهمته، واستجواب المتهم.. وأعلن القاضي حكمًا مخففًا بعامين فقط على البشير في قضية النقد الأجنبي، وعلى الرغم من الإدانة القوية التي وجهها القاضي للمتهم البشير، ووصف ما قام به باعتباره فسادًا واستغلالًا للوظيفة العامة، وتخريبًا للاقتصاد، إلا أنه والتزامًا بنصوص القانون التي تحرم سجن الشيخ الذي تجاوز السبعين، قرر إيداعه في دار رعاية. وفي حين شككت هيئة الدفاع بالظروف السياسية المحيطة بمحاكمة الرئيس المعزول حوَّل أنصار البشير القاعة إلى حالة من الهرج والمرج، والهتافات المناهضة للمحاكمة، فأمرالقاضي بإخراجهم. وكان الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أعلن في أبريل الماضي، العثور على ما قيمته 113 مليون دولار من الأوراق النقدية في مقر إقامة البشير. وأضاف أن فريقًا من الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن والمخابرات والشرطة والنيابة العامة وجد سبعة ملايين يورو، و350 ألف دولار، وخمسة مليارات جنيه سوداني (105 ملايين دولار)، أثناء تفتيش منزل البشير. وجرت مياه كثيرة تحت الجسور بعد عزل البشير من السلطة في السودان في 11 أبريل الماضي، وعكفت الحكومة الانتقالية على إجراء إصلاحات جذرية في البنية السودانية، والتخلص من حزب المؤتمر الوطني بحله مع حلفائه، وملاحقة كل رموز النظام البائد في المحاكم وحبسهم في سجن كوبر على خلفية قضايا فساد وتربح من السلطة، ونهب مقدرات البلد، وقتل المتظاهرين، وتنظيم إبادة جماعية في دارفور والنيل الأزرق وكردفان، إضافة إلى قيام البشير وضباطه بالانقلاب العسكري على نظام ديمقراطي شرعه في عام 1989 وإنهاء القيود التي كان يفرضها على الشعب. وبعد مضي 3 أشهر من تشكيلها اتخذت الحكومة الانتقالية في السودان بمجلسيها، السيادي والوزراء، جملة قرارات كانت بمثابة قاصمة ظهر لنظام البشير الإرهابي، وصلت إلى حل حزب الرئيس المعزول «المؤتمر الوطني». عندما استولت ما تسمى ب»الحركة الإسلامية» على السلطة بانقلاب عسكري عام 1989، وضعت أمر السيطرة على قطاع التعليم في سلم أولوياتها، حيث قامت بتعديل المناهج والسلم التعليمي، وإنشاء جامعات دون كفاءة، قبل أن تحول ساحاتها إلى أوكار لمليشياتها الإرهابية، بغرض تقويض إرادة الطلاب وإرغامهم على أيديولوجيتها، وفق مراقبين. حل «الوحدات الجهادية» بالجامعات ويبدو أن هذا السبب دفع السلطة الانتقالية إلى وضع إصلاح قطاع التعليم في سلم أولوياتها، حيث شهد أول القرارات الإصلاحية ارتياحًا واسعًا في الشارع السوداني. ففي 19 سبتمبر، قرر مجلس السيادة حل «الوحدات الجهادية» بالجامعات، وهي مليشيا تتبع للحركة الإسلامية وكانت المصدر الرئيسي للعنف في مؤسسات التعليم العالي. ومع فرحة الشارع بهذه الخطوة، أصدر رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في 3 أكتوبر قرارًا بإقالة 67 «من أنصار البشير» من مناصبهم كمديرين وأعضاء مجالس إدارات في الجامعات، في أكبر عملية اجتثاث للإرهاب من مؤسسات التعليم العالي. وفي نوفمبر الماضي، قرر رئيس المركز القومي للمناهج الدكتور عمر القراي فور تعيينه بهذه الوظيفة، إجراء إصلاحات على المناهج الدراسية بعدما وصفها بأنها تعرضت لعملية تسييس من قبل النظام البائد. تنظيف الخدمة المدنية خلال شهري سبتمبر، وأكتوبر، نفذ رئيس الوزراء عبدالله حمدوك حملة إعفاءات واسعة لعناصر «إسلامية» من الوظائف القيادية بالخدمة المدنية، ومديري شركات حكومية ومراكز قومية متخصصة. وطالت حملة حمدوك نحو 23 من وكلاء وزارات والعشرات من مديري الشركات والأجهزة المهمة، لا سيما مدير هيئة الإذاعة والتلفزيون، الإخواني محمد أحمد عيساوي الذي خلف إعفاؤه سعادة كبيرة في الشارع السوداني لكونه يمثل عدو الثورة الشعبية. كما نفذت رئيسة القضاء نعمات عبدالله خير حملة إبعاد واسعة شملت عشرات القضاة المحسوبين على نظام البشير الإرهابي، واستبدلت بهم آخرين خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني. وعلى الخطى نفسها، صار وزير العدل نصر الدين عبدالباري، حيث أبعد نحو 37 مستشارا قانونيا يتبعون لنظام «الحركة الإسلامية» المعزولة. تفكيك نظام الإنقاذ في يوم 29 نوفمبر أجاز اجتماع مشترك لمجلسي السيادة والوزراء قانون «تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 وإزالة التمكين»، وأثارت تلك الخطوة فرحًا بالشارع السوداني، حيث يقضي التشريع بحل حزب البشير، ومصادرة أملاكه، وتصفية واجهاته، وملاحقة منسوبيه الفاسدين. وإنفاذًا لهذا القانون تم تشكيل لجنة خاصة للتفكيك برئاسة عضو مجلس السيادة الفريق ياسر العطا، أصدرت قرارات في يوم 13 ديسمبر بحل حزب البشير «المؤتمر الوطني المحظور»، ومصادرة أملاكه لصالح الخزينة العامة. كما قررت حل النقابات والاتحادات المهنية، واتحاد أصحاب العمل، التي تشكلت في عهد النظام البائد، وإلغاء مكاتبها التنفيذية، وتكوين لجنة تسيير للترتيب لانتخابات حرة بعد مراجعة القوانين بما يواكب استغلالية الحركة النقابية. كما قرر مجلسا السيادة والوزراء في يوم 29 نوفمبر/ تشرين الثاني إلغاء قانون النظام العام سيئ السمعة، وهو تشريع وضعه نظام البشير مطلع تسعينيات القرن الماضي، وصادر بموجبه الحريات الشخصية ولاحق به النساء والفتيات. وشكلت السلطة الانتقالية عددًا من اللجان للتحقيق في جرائم ارتكبها «نظام البشير» خلال حكمهم. ومن بين هذه اللجان، لجنة شكلت للتحقيق في إعدام 28 ضابطًا «شهداء رمضان» على يد نظام «البشير المسنود بالحركة الإسلامية» عام 1990 بتهمة تدبير محاولة انقلابية، بجانب لجان لتسوية أوضاع المفصولين تعسفيًا. بالإضافة إلى لجنتي تحقيق فض الاعتصام ومفقودي الحادثة التي تمت في 3 يونيو أمام قيادة الجيش في الخرطوم.