سؤال يفرض نفسه على الساحة العراقية، هل يُكبِّل الحشد العراقي سلطة الحكومة مستقبلًا ويكون الآمر الناهي في العراق، ويلقى العراق مصير لبنان الذي تسيطر على القرار فيه مليشيا حزب الله؟!. الجواب هو أن كل المؤشرات تدلُّ على أن الحراك في طريقه إلى اقتحام السياسة، والسيطرة على مفاصل الدولة بعد أن تحوَّل مِن حِراك جماهيري إلى قوَّةٍ عسكرية، وليس أدل على ذلك من رفضه تنفيذ أوامر رئيس الوزراء الحالي (عادل عبدالمهدي) القاضي بانسحاب قوات الحراك من نقاط السيطرة على «سهل نينوى» شمال العراق وتسليم المهام للجيش. القليل مِنَّا لا يعرف بأن مليشيا الحشد تشكَّلت بأوامر مباشرة من (قاسم سليماني)، وعبر فتوى أطلقها رجل الدين الشيعي (السيستاني) عام 2014 وذلك لمحاربة تنظيم داعش، وهم لا يعترفون بسيادة الحكومة العراقية عليهم، كما لا يأتمرون بأمرها، وولاؤها لإيران قلبًا وقالبًا بحُكم ولائهم للكيانات الدينية الإيرانية، وكذلك لوجود تقارب أيديولوجي، تعمل حكومة طهران على إعدادهم لتطبيق النظام السياسي الإيراني في العراق (ولاية الفقيه) وتُلحق العراقبلبنان. في عهد رئيس الوزراء السابق (حيدر العبادي)، وعندما شعر بالخطر القادم من قبل هذه المليشيات، حث عدة مليشيات على الانضواء تحت هذا المسمى بالحشد الشعبي، من بينها المليشيات المسيحية حركة (بامليون)، والحشد القبلي، ووحدات حماية سهل نينوى، وكتائب صلاح الدين، لكي تُمثِّل مكونات العراق سنة وشيعة ومسيحيين، واليوم يبلغ تعدادهم أو بالأحرى يتعدَّى تعدادهم 90 ألف مقاتل، تم تسليحهم من قِبَل إيران يُسيطرون على عمليات تهريب النفط والأموال إلى إيران، بالإضافة إلى تجارة المخدرات والمشاركة إلى جانب (فيلق القدس) الإيراني في تنفيذ العمليات الإرهابية في العراق وسوريا ولبنان واليمن. ويعد رئيس الوزراء الأسبق (نوري المالكي) حليف إيران السياسي، والمسؤول عن كارثة عام 2014 التي احتل فيها «داعش» أجزاء كبيرة من العراق، ذا تأثير قوي على هذه المليشيات، كما يُعد المسؤول عن تفاقم التطورات الطائفية التي قادت إلى تلك الكارثة، وقد أوكلت إليه طهران الأسبوع الماضي رأب الصدع بين حلفائها من قادة الفصائل داخل هيئة الحشد الشعبي في العراق، ومد جسور الثقة بين الطرفين المتنازعين، ويأتي هذا الحرص من النظام الإيراني لكي لا تعوق هذه التباينات بين قيادات الحشد مخططاته الرامية للإطباق على العراق وجعله أداة من أدوات إيران. ويبدو أن إيران نجحت إلى حد بعيد في تكوين لوبي لها داخل الحكومة العراقية، إذ إن الحكومة الحالية بدأت تميل إلى فكرة دمج الحشد بالجيش العراقي، وهو قرار إيراني صِرف، فرئيس الوزراء الحالي كما يقول الكاتب العراقي (غالب الشابندر) يتناغم مع الطروحات الإيرانية في هذا الخصوص، إن لم يكن مُنفِّذًا لها. والخلاصة هي أن العراق ماضٍ إلى تسليم نفسه طوعًا إلى إيران بموافقة عددٍ من مسؤوليه، وبعد أن سمحوا لها بالتغلغل في عمق القرار السياسي والعسكري العراقي، والحشد هو مَن سيستولي على الحكم في العراق.