يُنعِم علينا المولى سبحانه وتعالى في شهر رمضان المُبارك بتوثيق الصلة به عز وجل والالتجاء إليه، ويكثر في هذا الشهر الكريم دعاء الصائمين والقائمين ابتغاءً للفضل من الكريم المنّان عز وجل.. وقد جاءت بين آيات الصوم التي في سورة البقرة، آية كريمة جليلة تحفّزنا على الدعاء: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ). إنّ ورود آية الدعاء بين آيات الصوم يُشير إلى أنٍّ الصوم من أسبابِ إجابة الدعوة بإذن الله.. ومما يَستوجب الملاحظة في هذه الآية، تقديم النتيجة على الفِعل، حيث تؤكّد الآية تحصيل النتيجة: (أُجِيبُ) بمجرد الفعل: (إِذَا دَعَانِ). فالدعاء شرطُ الإجابة. لكن كيف تكون إجابة الله عز وجل (المؤكّدة) لدعائنا؟ هل بالضرورة تكون الإجابة بتحقيق الأمر الذي طلبه الداعي أم قد تكون الإجابة بأمرٍ آخر؟ وهل (إِذَا دَعَانِ) شرطٌ سهلٌ وميسورٌ تحقيقه أم أنّه صعب؟ كما تتضمن آية الدعاء هذه أمرين: (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) (وَلْيُؤْمِنُوا بِي). فكيف ونحن إذ ندعو الله عزّ وجل ونطلبه سبحانه وتعالى أن يَستجيب لنا، لكنّ الآية تَطلب مِنّا أن نستجيب نحن لله؟ كيف نفهم أمره تعالى لنا حين ندعوه، بأن نستجيب نحن له سبحانه؟ مما ورد في خواطر الشيخ الشعراوي رحمه الله حول هذه الآية: (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) الحق سبحانه وتعالى يضع شرطاً للاستجابة للدعاء، وهو أن يستجيب العبد لله سبحانه وتعالى باتّباع المنهج الذي دعاه إليه. (وَلْيُؤْمِنُواْ بِي) أي أن يؤمنوا به سُبحانه وتعالى إلهًا حكيمًا، فليس بالضرورة أن يَستجيب لكلِ داعٍ بتحقيق ما طلبه؛ لأنّ الألوهية تقتضي الحِكمة التي تُعطي كل صاحب دعوةٍ خيراً يُناسبه لا بمقاييسه هو ولكن بمقاييس من يُجيب الدعوة وهو الحكيم العليم. والعبد لا يدعو إلا إذا اعتقد أن أسبابه كبشرٍ لا تقدر على أمرٍ ما، ولذلك يسأل من يَقدر ويَملك. وبالتالي فإنّه ينبغي أن يكون القصد من الدعاء الذِلّة والعبودية، أمّا الإجابة فهي إرادة الله وحده. إنّ دعاء الله والتوسّل إليه من مظاهر عبادته سبحانه وتعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). والله يُحب أن يسمع دعاء عِباده له عز وجل (قُلْ مَا يَعْبَؤُاْ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ). لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكشف لنا كيف يكون «َفساد» جهاز الداعي سَبَباً في عدم إجابة الدعوة: «الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟!»، كما أنّ الله عز وجل بِحكمته المُطلقة قد يَمنع عنّا أمراً ما لأنّه يَحمل لنا الشر وإن كنّا نرى فيه خيراً كثيراً. اللهم ارزقنا حُسن الظنّ بك والتوكّل عليك والتذلّل لك، وافتح لنا أبواب رحمتك، واجعلنا من أهل الريّان يا أكرم الأكرمين. وكيل وزارة الحج والعمرة لشؤون نقل الحجاج والمعتمرين