استحقت رئيسة الوزراء النيوزيلندية، ياسيندا أرديرن، الثناء، لا من شعبها فحسب، بل على مستوى العالم بأكمله، حيث قادت حملة ضد العنصرية البغيضة للبيض، وتقدَّمت الصفوف في التعزية بضحايا الإرهاب منذ أول يوم للحادثة القذرة التي ارتكبها عنصري يُطالب بتفوّق العرق الأبيض وسيادته على العالم. وشاركت في تشييع جثامين ضحايا المجزرة، وحضرت إلى مدينة كرايست تشرش، حيث وقعت المجزرة في مسجدين بهذه المدينة، وهي مغطاة الرأس، وشاركت يوم الجمعة الماضي في صلاة احتجاج وتضامن، واستجاب الآلاف لدعوتها حضور هذه المناسبة، وحضرت النساء من مواطنيها مغطيات الرؤوس (محجبات)، والرجال يضعون الغطاء على الكتفين، في وقفةٍ رمزية إلى جانب النساء المسلمات. وتعتبر رئيسة الوزراء النيوزيلندية من السياسيين الليبراليين، وتوصف بأنها نسخة أخرى من رئيس وزراء كندا، ترودو. ولها مواقف بارزة في تأييد حقوق المرأة على مستوى العالم، وعندما كان عليها أن تُمثِّل بلدها في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد ولادتها مباشرة، أخذت طفلتها معها إلى قاعة الجمعية العامة بنيويورك، وأخذت ترضع طفلتها خلال إلقاء رؤساء الدول لخطبهم في وقفة منها تُعبِّر عن حقوق النساء. وتتسم مواقفها بالشجاعة والجرأة، ولم تمر اثنان وسبعون ساعة على الهجوم الإرهابي حتى نجحت في تعديل قوانين حمل السلاح في بلدها، وقالت في خطاب لها أمام البرلمان أنها تود أن تحرم الإرهابي من الدعاية له بعدم لفظ اسمه، قائلة: إن عدم تشجيع بث الأخبار عن الإرهابيين، يحرمهم من الأوكسجين الذي يساهم في إحيائهم. وتميَّز الحادث الإرهابي في كرايست تشرش بقيام الإرهابي الأسترالي ببث المجزرة التي كان يقوم بها على الهواء مباشرةً عبر كاميرا كان يحملها على الطريقة التي تظهر بها بعض ألعاب الفيديو وعلى اليوتيوب، وتم البث عبر فيسبوك بمساعدة أشخاص آخرين كانوا يتعاونون مع الإرهابي، ولم توقف فيسبوك البث وتزيل الصور إلا بعد أن قام متعاطفون مع الإرهابي الأبيض بنشر أكثر من مليون ونصف رسالة متعلقة بصور الحادثة. كما أرسل (يمينيون) متطرفون تهديداُ لأرديرن بالقتل، مُغرِّدين بذلك عبر موقع تويتر قائلين لها: «أنت القادمة»، ولم تزلها تويتر من موقعها سوى بعد ثمان وأربعين ساعة. نجاح ياسيندا أرديرن كسب إعجاباً وتقديراً واسعين في جميع أنحاء العالم، نتيجة لتعاملها بهدوءٍ وحزم مع هجوم المسجدين الدامي، ولم يرق لليمين المتطرف أن يرى ذلك النجاح لسياسية ليبرالية مناقضة لما يجري، وخاصة في أوروبا، من تزايد شعبوية السياسيين اليمينيين. وأدَّى تصرُّف رئيسة الوزراء النيوزيلندية ومعالجتها للحادث المأساوي وتجاوب المجمتع في نيوزيلندا والأجهزة الأمنية فيها إلى التعاطف الكبير في أنحاءٍ كثيرة من العالم مع المسلمين.. وكان ضحايا العمل الإرهابي القتلى من جنسياتٍ مختلفة شملت باكستان والهند وماليزيا وإندونيسيا وتركيا والصومال وأفغانستان وبنجلاديش. وارتكب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خطأً سياسياً وهو يقود حملة انتخابية لصالح مرشحين من حزبه لانتخابات (محافظين)، حين اعتقد أن نيوزيلندا تُوفِّر له فرصة انتخابية يظهر فيها لمواطنيه أنه مدافع شرس عن حقوق المسلمين في كل أنحاء العالم، وأخذ يرتكب الخطأ بعد الآخر قبل أن يكتشف بأنه بينما كان مشغول بالحملة الانتخابية، كانت رئيسة وزراء نيوزيلندا تكتسب شعبية واسعة حتى بين صفوف الناخبين في تركيا، نتيجة لتصرفاتها المتزنة والحكيمة في هذه الحادثة. وقد طالبت نيوزيلندا من الرئيس التركي التوقف عن تكرار بث فيلم الإرهابي من على المنصات الانتخابية التي كان يصعد عليها وعدم إشعال المزيد من الكراهية بتصريحاته، وخاصة عندما أعلن أنه سيُعيد النيوزيلنديين والأستراليين المعادين لتركيا إذا ما وصلوا لبلاده في أكفان إلى بلديهما.. وحينها أعلنت رئيسة الوزراء النيوزيلندية أنها ستُرسل وزير خارجيتها إلى تركيا (لمواجهة) الرئيس التركي الذي عاد مؤخراً للثناء علناً على الطريقة التي واجهت بها نيوزيلندا الحادث الإرهابي. استطاعت رئيس الوزراء النيوزيلندية أن تُؤكِّد أنه لازالت هناك قيادات سياسية تستطيع أن تسحر الجماهير، لا بالشعارات، وإنما بالتصرُّف الصائب الحازم الحكيم.