لابد من القول إن إنشاء دولة دينية في منطقة الشرق الأوسط، ونقصد بذلك، إنشاء الكيان الصهيوني في عام 1948م، بمؤازرة من القوى الغربية المختلفة، قد أسس لمفاهيم الإرهاب، التي طالت حتى الغربيين أنفسهم، كما حدث في تفجير فندق الملك داوود في القدس، قبيل قيام الدولة الصهيونية، وذهب جراء ذلك الحادث عدد كبير من الجنود البريطانيين وسواهم، وكأن الصهيونية أرادت أن تقول للإنجليز وقتها: ارحلوا من هذا المكان، ولا حصانة لكم. وظل ذلك الحادث يلقي بظلاله الكثيفة على العلاقات البريطانية الإسرائيلية؛ لأنه صنّف بعض المتورطين فيه؛ مثل مناحيم بيجن وإسحق شامير من زعماء الحركة الصهيونية في شقها الديني المتشدد، في عداد الإرهابيين والمطلوبين للعدالة الدولية. استقبال العواصم الغربية لعدد كبير من المهاجرين بحثًا عن لقمة العيش، فجّر خلافًا بين هؤلاء المهاجرين، والحركات القومية الغربية المتشددة، كما أن حوادث سبتمبر المعروفة، وتفجير برجي التجارة العالمية في نيويوركالأمريكية، قد جنى على الجالية الإسلامية والعربية، وألصق بهم تهم الإرهاب زورًا وبهتانًا، فالغالبية من المسلمين يؤمنون بالديانات الأخرى، ويتعاملون مع أتباعها بكثير من التسامح وقيم الإخاء والمحبة، وكلها ديانات توحيدية جاءت لتنقذ الإنسان من حضيض الشرك وجهالة المعتقدات الفاسدة، إلى الإيمان بالله ورسله وكتبه وإعمار الأرض لا تدميرها. ومع تبرؤ المسلمين في الغرب من هذه الاتهامات المتشددة، كان آخرها القاعدة وما يعرف ب»الدولة الإسلامية» أو «داعش»؛ إلا أن الشكوك ظلت تحوم حول الفرد المسلم، كما أنه كان يجري في السر تهيئة المناخ أمام الحركات اليمينية الغربية المتطرفة؛ لتمرير أجندتها عبر تجييش القواعد ضد الخطاب الإسلامي المعتدل، وتصويره بصور شائهة عن جوهره النقي، والملاحظ أن بعضًا من تيارات اليمين المعتدل في الغرب، ولغرض انتخابي، استعارت بعضًا من أدبيات اليمين المتشدد، كما هو الشأن في الحزب القومي البريطاني، بما شكل حالة عامة من الكراهية للجاليات المسلمة، وأسهم بقدر كبير في تعميق مفهوم الإسلاموفوبيا في أوساط هذه المجتمعات، بما تشكّل في حالات احتكاك واحتقان هيأت المناخ لحوادث دموية كشفت النقاب عن مظاهر خطاب الكراهية وروح العداء وعدم التسامح الذي خلخل بنية تلك المجتمعات. كما حدث في المذبحة الدموية التي جرت على أرض نيوزيلندا، وطالت المسلمين وحدهم، في دور عبادتهم يوم الجمعة، ولن يكون هذا الحادث هو الأخير، طالما بقيت روح الكراهية، والعداء للإسلام والمسلمين تصدر عن أحزاب وشخصيات سياسية لها وزنها ومكانتها وأتباعها. وقد أشرنا في مقالة سابقة إلى الخطوة الإيجابية التي اتخذتها الحكومة البريطانية بتعليق عضوية عدد من نوّاب البرلمان على خلفية تصريحات وتغريدات لهم عبروا من خلالها عن روح الكراهية والعداء للجالية المسلمة هناك. ومن المفترض أن تكون لغة السياسة الغربية شديدة وواضحة كل الوضوح في نبذ الإرهاب والتشدد والتطرف. إن الحادث الدموي الذي شهدته نيوزيلندا يوم الجمعة الماضي، وما سبقه من أحداث، يجعل من أمر سنّ قوانين وتشريعات واضحة بتحريم وتجريم «الإسلاموفوبيا» في المجتمعات الغربية أمرًا مهمًا وضروريًا إن هي أرادت أن تتعافى من داء الكراهية المقيت، فبمثل ما استجابت هذه المجتمعات إلى ضغط الكيان الصهيوني، بتمرير قانون «عداء السامية» على ما فيه من اعتساف، وتقييد لحرية النقد والتناول الموضوعي، فإنها في أمسّ الحاجة إلى توسيع دائرة التشريعات النابذة لروح العداء وخطابات الكراهية، وفي صدرها يأتي موضوع الإسلاموفوبيا. ومن المهم أن تتبنى الدول العربية والإسلامية هذا الخيار وتمارس به الضغط الكافي عبر الوسائل المتاحة، بما يضمن تشريع وسنّ قانون مرعي دولي يحفظ للمسلمين كرامتهم وأمنهم في كل أصقاع الأرض أسوة بغيرهم، وحتى لا يكون الدم العربي والمسلم رهنًا لكل ناعق بالكراهية، وموتور بالحقد.