تتسارع المبادرات بعودة السفراء إلى سوريا، التي تعرضت لانكشاف تاريخي وتدمير منظم يحتاج لعقود من الزمن حتى تعود الحياة الطبيعية لبلاد الشام العريقة بتاريخها وتراثها النادر الذي طالته أيادي العبث والتخريب من النظام والتدخلات الروسية والإيرانية والتركية، بالإضافة للمنظمات الظلامية التي فتحت لها الأبواب حتى استبدت بالأرض وأهلها والقوى الكبرى تتفرج وتشعل النيران بحثًا عن مصالحها.. وسوريا الموقع والتاريخ والوعد مطمع لكل القوى الكبرى المطلة على البحر الأبيض المتوسط وغيرها البعيد مثل روسيا وبريطانيا وأمريكا. من بداية الأزمة حاولت الجامعة العربية المشاركة في إخراج الشعب السوري من أزمته مع النظام، وبعد أن فشلت كل المحاولات علقت عضوية سوريا في الجامعة وسحبت بعض الدول سفراءها أملًا في أن يُشكل ذلك ضغطًا كافيًا لإقناع النظام بضرورة التوصل لحل يحفظ لسوريا وحدة أراضيها وسيادتها والأمن والاستقرار بدون أي تدخل خارجي من قوى إقليمية لها أطماع في الهيمنة على المنطقة من خلال تفكيك وحدة دولها. تدخلت روسياوإيران لملء الفراغ واستسلم النظام لواقع الحاجة في صراع البقاء وقدم كل ما يملك من سوريا للدولتين إيرانوروسيا.. بالنسبة للدول العربية إيران تُشكل الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي من روسيا في هذه الحالة بحكم ما تخطط له من السيطرة من الجانب الديني مستخدمة ذراعها العبثي المتمكن في لبنان. إسرائيل المحتلة للجولان منذ حرب حزيران 1967 مرحبة بكل ما حصل لسوريا وللعرب من الخليج إلى المحيط لأن بقاءها أصبح مسألة واقع وليس مجرد حلم محفوف بالخطر كما كان منذ تأسيسها حتى بداية القرن الحادي والعشرين وخروج مصر والأردن والعراق من معادلة الحرب مع الكيان العبري على أرض فلسطين. المزايدات الإيرانية والتركية لم يكن القصد منها القضاء على إسرائيل وتحرير فلسطين وإنما كانت موجهة لإضعاف العالم العربي وهذا ما حصل متمثلًا في تدمير العراقوسوريا. العودة إلى سوريا تحت نظام الأسد تعني الاعتراف بأن إدارة الأزمة السورية من الجانب العربي فشلت، كما أن التوهم بأن الأسد سيعود للحضن العربي متباهيًا بانتصاره على الشعب السوري مشهد غير واقعي للطرفين، ويضع ما تبقى من آمال الشعب السوري في مهب الريح، فإما القبول بنظام الأسد تحت وصاية مزدوجة روسية إيرانية وتهديدات إسرائيلية تركية مستمرة، أو استمرار الحرب الأهلية إلى أمد بعيد لأن الجرح أعمق، والتدخلات الخارجية في سوريا أسوأ حالة عرفها التاريخ المعاصر. إن عودة سوريا للعرب وعودة العرب لسوريا تتطلب تغيير أمور كثيرة في المعادلات الدولية يصعب تصور مخرج لتحقيقه في القريب العاجل.. فهل الخسارة في سوريا مزدوجة للنظام والشعب أم لسوريا بكاملها؟. إن الانكشاف الإستراتيجي الذي مني به العالم العربي من بداية القرن الحادي والعشرين سيأخذ وقتًا طويلًا حتى تستوعب الأمة تداعياته، ناهيك عن تمنيات الشفاء العاجل من آثاره..!