افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان مساء الخميس 13 ربيع الآخر 1440ه/ 20 ديسمبر 2018م، المهرجان الوطني للتراث والثقافة «33 وفاء وولاء» تنظمه وزارة الحرس الوطني بالجنادرية. القصة هنا تكمن في هذا الشكل الذي أصبح عليه هذا المهرجان الذي لم يتوقف عند فكرة البداية، بل كل عام يتطور، ويأخذ شكلاً جديداً، فمثلاً في بداياته لم يكن يحمل عنواناً يعبر عن مضمون الاحتفالية، بل تبلورت الفكرة في الدورة «6 « مولد أمة، وتنوعت العناوين التي تعبر عن المهرجان الذي يستعرض التراث المادي والمعنوي لكل المناطق الإدارية والمدن المتميزة بتراثها وعاداتها، وهو في نفس الوقت يواكب الحركة النهضوية التي يسير في ركابها الوطن، بل يجسدها على أرض الجنادرية بصورة اجتذبت إليه أنظار العالم، كذلك أصبح ضمن منظومة رؤية 2030. هذا الحراك التراثي الثقافي الفني الذي بدأ من العاصمة الإدارية والسياسية للمملكة العربية السعودية/ الرياض وساهم في نشر المهرجانات التراثية في المدن الرئيسية، مهرجان عكاظ في الطائف، ومهرجان جدة التاريخية في جدة، وفورمولا إي الدرعية 2018 الذي حدثتكم عنه في مقال الأسبوع الماضي، ومهرجانات أخرى بالإضافة إلى معرضي الكتاب في الرياضوجدة. المهرجانات الثقافية الضخمة لم تتوقف هنا بل طرقت أبواب المناطق النائية، ووضعت المدن المنسية على الخارطة السياحية، وجعلت منها مادة إعلامية تفيض صوراً وأخباراً تنسج منها الحكايات التي تعيد إلى الأذهان مدن ألف ليلة وليلة الخيالية، كما يحدث الآن في إعلانات مهرجان شتاء طنطورة، في محافظة العلا التي تضم مدائن صالح التراثية، أصبح محور الحوارات ومحفز الرغبات، للمشاركة وحضور الفعاليات المختلفة ورؤية المعالم السياحية والتراثية، التي اهتمت بها وزارة السياحة، فأصبحنا نحتفي بتراثنا بعد أن كان عرضة للهدم والتدمير، لكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح. كلنا تساءلنا ماذا تعني كلمة طنطورة، وبالبحث الجوجلى، وجدت؛ أن مهرجان شتاء طنطورة ليس حدثاً حديثاً بل احتفالية موغلة في القدم، احتفالاً بعودة موسم الزراعة ودخول الشتاء، وأطلق عليه « طنطورة « نسبة للساعة الشمسية التي تقع في الجزء الجنوبي الشرقي للقرية، حيث كان يعتمد عليها أهالي المنطقة في معرفة وقت دخول موسم الزراعة وتغير فصول السنة. إذن «طنطورة» هي الساعة الشمسية على شكل بناء هرمي الشكل وتستخدم لمعرفة دخول الفصول الأربعة وخاصة فصل الشتاء، عن طريق حجر مغروس في الأرض. المفرح أننا بدأنا نحتفي بتاريخ أرضنا العريق والمتنوع بعد أن كنا نتطلع إلى آثار الأقوام الأخرى بانبهار وحسرة ظناً منا أن أرضنا صحراء قاحلة لم يعش فيها أقوام متحضرة تخلف لنا آثاراً تدل عليها، ربما هذا الذي يحدث الآن على أرضنا من حراك ثقافي فني، يحرك أضغان نفوس جبلت على الاستئثار بكل شيء، لم تبق وصمة لم توصمنا بها، من البداوة إلى التخلف، إلى عرب الجنوب، وهي ترى اليوم كل هذا التقدم المذهل حتى في المناطق الأثرية والمدن الصغيرة، هو هذا الذي يصيب قلوبهم بسهام الغيرة ونفوسهم بداء الحسد، فتمطر عقولهم أحقاداً عبر كل وسائل الإعلام، رغم ذلك مسيرة رؤية 2030 تمضي في طريقها بعزيمة خارقة، من كان يتوقع أن تظهر محافظة العلا بكل هذا الإبهار وتلفت إليها الأنظار؟. لا ننكر أيضاً أن لدينا فئة قليلة خائفة من التغيير في البنية الثقافية التي تجمدت في نمطية واحدة، لذلك هي مترددة بين القبول والرفض، وهذه سُنة المجتمعات الحيوية التي تتباين فيها الأفكار والرغبات والاحتياجات والقناعات، وهو مؤشر صحي، وغير مؤثر في حراك تنمية الوعي بقيمة الوطن والانتماء له بحب وشغف، وصد الأقاويل والأكاذيب التي يروجها أعداء الوطن بالحب والعمل.