في فارط السنين استجمع أحمد ورفاقه أقواتهم وقواهم ودوابهم وبعض مخاوفهم وعزائمهم ليقضوا مناسكهم..!! **** .. كانت المرة الخامسة، «وربما بعضهم أكثر»، تلك التي نووا فيها الحج ثم تراجعوا. شئ (ما) كان يهزمهم باستمرار..!! **** .. مع بزوغ الفجر بدأت القافلة تتجمع على طرف الوادي وتجمع معها الرجال والنساء والأطفال لكي يشهدوا وداعهم في سفر قد لا يعود بعضهم بعده..!! **** .. أطلق الحادي النداء الذي ضجت به القلوب والسفوح. انهمرت دموع المودعين وألقوا عليهم الدعوات والقافلة تهمُّ أن تتوارى عن الأنظار..!! **** ..ساروا قبل شهر من دخول عشر ذي الحجة . أيام شداد ضربوا فيها أكباد الأبل. تنازعتهم في الطريق الشموس والمطر والخوف والقفار الطوال..!! **** .. في الطريق، اعتلَّ أحدهم بالحمى. اشتدت به وفاضت روحه بين أيديهم. دفنوه في الرمال ترحموا عليه وواصلوا مسيرهم..!! **** .. ذات ليلة أناخوا ركابهم أنهكم التعب وطول المسير، غرقوا في النوم وغرق معهم حارس القافلة.. **** .. استيقظوا على وقع قطَّاع طرق. هاجموهم وحاولوا أن يغنموهم، لكن من حسن حظ قافلة الحجيج كثرتهم وسلاحهم الذي احتموا به. فر قطّاع الطرق لكن أحد الحجاج أصيب فحملوه على ظهر جمل إلى مكة وعالجوه هناك.. **** .. على مشارف مكة ألقوا بتعبهم ومخاوفهم . وتسارع نبض قلوبهم ليعانق النورالمتسامي من جبال مكة النور. **** .. بعد الحج عادوا تارة أخرى إلى نفس الطريق والمصير المجهول. ولهذا فعندما وصلوا ديارهم استقبلهم الناس بالفرح والتهاني والزغاريد..!! **** .. رحلة الحج كانت رحلة خوف ومشقة وهلاك ..!! **** .. اليوم يتغير الحال بما يشبه الخيال . الطرق المعبدة، الكهرباء، المحطات ، الإستراحات، السيارات الفارهة، الاتصالات التي تلاحقك في كل مكان..!! **** .. مسافة الشهور تصبح أياماً، والأيام ساعات، وسفر المخاوف الشاق يتحول الى متعة..!! **** .. شئ لا يصدق عن حجم التغير والتغيير ما بين الأمس واليوم. المسافة ما بينهما هي ذاتها المسافة ما بين الحج على ظهر جمل أو في مقصورة قطار..! **** .. إنها الحكاية المذهلة بكل مفارقاتها وفروقها. ..حكاية تشبه الأساطير لايكاد يصدقها أحد لولا أنها حقيقة..!! **** .. فاحمدوا الله، وادعوا لهذا الوطن بدوام العزة واستدامة النعم.