برغم تزاحم الأحداث العالمية في شتى المجالات خلال فترة كأس العالم في روسيا إلا إن الملايين من هواة كرة القدم وفي مقدمتهم الشباب من كل بلدان العالم اجتمعوا على ضرورة مشاهدة المباريات والتنبؤات بمن سيفوز ويستمر أو يخسر ويخرج من أدوار «المونديال» ومن سيحالفه الحظ ويفوز بالكأس الذهبية الجائزة الكبرى. وفي دورة 2018م كان هناك مفاجآت كثيرة، خرجت ألمانيا حاملة اللقب والأرجنتين والمكسيك والبرازيل وبقيت فرنسا إلى آخر لحظة وكان لها الفوز على كرواتيا ولكن التفوق الأفروأفريقي من نخبة المنتخب الفرنسي عمل الفارق وكانت له الكلمة الأخيرة. تفاصيل اللعب ومهارات اللاعبين وقوانين اللعبة لا تحتاج إلى مزيد من الشرح هنا لأنها أصبحت ثقافة عامة في متناول الجميع وكانت مكشوفة في الملاعب أمام العالم. الجديد في هذه الدورة الاحتكام لتقنية ال VAR في حالة الالتباس في الأخطاء، وكالمعتاد عند إدخال آلية وتقنية جديدة تكون آراء المحللين متباينة مع وضد، ولكنها في هذه المرة وُجدت لتبقى لأن منافعها تُبعد الشكوك وتضع الحكام أمام مراقب خفي لا يعرف المجاملات الظنية حيث يمكن الاحتكام إليه عند الضرورة، والمتوقع أن تعمم تقنية ال VAR في جميع أنحاء العالم وهذا يعتبر فتحاً جديداً لتأثير التقنية في عالم الرياضة. ومبدأ ابتكار كأس العالم والألعاب الأولمبية، وكافة أنواع الرياضة ذات أبعاد نبيلة من شأنها أن تُقرب بين الشعوب والحضارات من خلال التنافس الشريف بين شباب العالم في تظاهرات جمالية كالتي شاهدناها في كأس العالم الأخيرة بتميز غير مسبوق من حيث التنظيم وحسن الإدارة وروعة الملاعب وكثافة الحضور من أنحاء العالم والروح الرياضية بين الرابحين والخاسرين.ومن آثار الرياضة أيضًا أنها أصبحت صناعة بمنتجات أدواتها، والدعاية والإعلان والتغطية التلفزيونية تُقدر أرباحها ببلايين الدولارات، ولذلك تتنافس الدول بقوة على استضافة كأس العالم لأن لها منافع ومردوداً اقتصادياً واجتماعياً كبيراً.وقد أجمع المراقبون والمحللون الرياضيون وغيرهم بأن روسيا وضعت علامة فارقة في تنظيم وإدارة فعاليات كأس العالم 2018م وستكون مقياساً للمقارنة في الدورات القادمة. ومن سوء حظ الفرق العربية أنها أخفقت في تحقيق أي إنجاز يُذكر ولعل ما شاهدوه في روسيا يكون درسًا قاسيًا ومحفزًا يغير وضع الرياضة في العالم العربي من خلال تهيئة جيل يكون له في المستقبل حضور فعال بين فرق العالم المتفوقة. والعولمة بمفهومها الصحيح تعكس تطور الإنسان والابتكارات الخلاقة وتخطي عقبات الحواجز من خلال تقنيات الفضاء والأقمار الصناعية والبث المباشر للمعلومات بدون قيود والرياضة وسيلة ومحفز خلاق للشباب من خلال نافذة العولمة للتقارب بين حضارات الأمم وشعوب العالم . ولابد من الاعتراف بأن الضوابط والمعايير الرياضية العالمية تتفوق على غيرها من أنشطة الإنسان الفردية والجماعية والدولية أيضاً لأنها تمارس علناً وتحظى بإجماع وقبول قد لا يتوفر في الأنشطة والممارسات الأخرى.