رجل وكيان وأمة.. أما الرجل، فنبل وشهامة، وجسارة عربية في الزمن العربي الصعب.. وأما الكيان فمنظمة قامت لتضيء سماء فلسطين بالأمل بعيد حريق المسجد الأقصى.. وأما الأمة فهي بشهادة الواحد الأحد كانت «خير أمة للناس». في ضوء ذلك، جاء الرجل ليكمل مسيرة من سبقوه في قيادة الدفة إلى الغاية الكبرى.. أمة تعود لسيرتها الأولى بين سائر الأمم.. أرض حضارة وخير وسلام.. وشعوب كد وعمل وإبداع وثقافة.. وقوة عدل وشعلة حرية لكل المظلومين والمضطهدين من المسلمين وغير المسلمين.. وكلمة حق هادية ومضيئة لكل شعوب الأرض. أعود إلى الرجل معالي الدكتور يوسف العثيمين أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي، فأقول ما قاله المفكرون والفلاسفة الأفذاذ من أن أي رجل مهما كان هو ابن الظروف والأحداث والتجارب التي مرت به وصاغت حياته في نشأته الأولى، وابن المكان الذي عاش فيه وتأثر به. هذه واحدة.. والحق فيها أن الأمة شهدت وتشهد من الأحداث والتجارب والأزمات ما جعلت الدكتور العثيمين ينصهر ويسطع بحكمة وحنكة ممثلا لدولة وأمة. والأخرى أن أي رجل كبير مهما كانت إرادته وحنكته ونبوغه في السياسة والثقافة والاقتصاد والاجتماع وغير ذلك من العلوم، إنما هو ابن عصره الذي يعيش فيه. تلك مقدمة أراها لأزمة ومناسبة، وأنا أسجل بالتقديرلا موقف الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي من كل قضايا الأمة، وفي مقدمتها القدس، ولأنها القدس، كان لابد أن أبدأ بها هذا الحوار الرمضاني.. قال الدكتور العثيمين: قبل أن نبدأ دعنا نزف للأمة الإسلامية التبريكات باسمى وباسم كل زملائي في الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي، داعيا الجميع للتمسك برسالة السلام والمحبة التي يرسخها الشهر الكريم في نفوس الصائمين، فهو شهر التسامح والتآخي والتكافل.. وهي الفضائل نفسها التي أتمنى أن يتحلى بها أبناء الأمة في رمضان وغيره، ولعل رمضان يكون فرصة مباركة لإطفاء جذوة الحروب والنزاعات كي يعم السلام والاستقرار جميع دولنا الأعضاء. ما هي أمنيتكم للمسجد الأقصى المبارك؟ - المسجد الأقصى المبارك في قلوبنا جميعا، ونحن نعمل في المنظمة بإدراك ثابت أنه القلب النابض للقضية الفلسطينية، والرابط الديني والروحي لأكثر من مليار ونصف المليار مسلم، وبالإضافة إلى أنه كان سببا رئيسا في انطلاق مسيرة منظمة التعاون الإسلامي قبل نصف قرن، فهو يمثل كذلك تلك الخصوصية الدينية التي تجعل من الأمة الإسلامية حاضرة بقوة عند أي اعتداء أو انتقاص من هيبته أو مكانته أو تبعيته لأمته. وباعتباري سعودي قبل أن أكون أمينا عاما لمنظمة التعاون الإسلامي فقد تعلمت ورسخ في عقلي ووجداني أن القدس هو ثالث الحرمين الشريفين، إذا تألم تتألم لألمه مكةالمكرمة والمدينة المنورة. ذلك ما عودنا عليه قادتنا في هذه البلاد، وآخر المواقف السعودية الصادقة كانت تسمية قمة الظهران العربية باسم «قمة القدس» وتبرع الملك سلمان -حفظه الله- بسخاء لصمود الشعب الفلسطيني. وما هي أمنيتكم للأمة الإسلامية ونحن نستقبل الشهر الفضيل؟ - أتمنى أن يوفقنا الله في القضاء على الفقر والجوع والجهل والأمراض، وأن نمضي قدما في مشروعات التكامل الاقتصادي بين دولنا الأعضاء، وأن تنتهي أسباب الفرقة والتباعد والحروب، ويعم السلام كل أصقاع العالم الإسلامي. إنني أدعوا الله سبحانه في هذا الشهر الكريم أن يعين الأمة لتتوجه في إنفاق مقدراتها على تنمية الإنسان والاستثمار في العلوم والتكنولوجيا بدلا من الإنفاق على الحروب أو الاستعداد لها. إنها مسؤولية كبيرة ونتضرع إلى الله أن يعيننا على حملها. ما الرسالة للفرد المسلم المقيم في الغرب؟ - المسلمون في الغرب سفراء حقيقيون لدولنا، فجهودهم الذاتية تتكامل في أماكن عملهم ومن خلال سلوكهم اليومي مع سعينا إلى تصحيح الصور السلبية التي ألصقتها جماعات ضالة ومنحرفة زورا وبهتانا بالأمة الإسلامية. وأدعو كل فرد مسلم مقيم في الغرب إلى تمثل أخلاق الشهر الكريم وأن يكون قصة نجاح بحد ذاته تفخر به أمته، ويساهم ولو بشكل فردي في إبراز الصورة الصحيحة والمشرّفة التي تتجلى بأسمى معانيها في شهر الخير والعطاء. ما هي أبرز إنجازات المنظمة فيما يتعلق بمواجهة الإسلاموفوبيا؟ - نحن نعمل على عدة مسارات متوازية، فدوليا، نجحنا منذ عام 2011 وإلى اللحظة في تشكيل جبهة مع الدول الغربية المعنية لوضع الأساس لتنسيق مشترك يواجه هذه الظاهرة. وعلى مستوى المنظمة، نحن نرصد الظاهرة، ونعمل على علاجها من خلال مراكز ومنظمات متفرعة ومتخصصة، بالإضافة إلى البرامج والمشروعات المصاحبة من رؤى مختلفة؛ ثقافية وإعلامية وغيرها.. والأهم، نحن نتصدى لجذور الظاهرة بمواجهة الإرهاب والتطرف بغية أن نقطع الطريق على من يتذرعون بهاتين الآفتين لتأجيج الإسلاموفوبيا. أشاد الجميع بما قدمته وتقدمه المنظمة على صعيد التنوير ومواجهة الفكر المتطرف، هل لنا أن نتعرف على جوانب من هذه الإنجازات؟ - لقد حرصت على وضع قضية مواجهة الإرهاب والتطرف على رأس أولوياتي، لإدراكي أنهما يشكلان قضية ملحة تنخر في جسد الأمة، وتستنزف مقدراتها ووقتها وجهدها. وأجزم أنهما عاملان مشتركان في معظم أزماتنا.. فالتطرف والإرهاب سبب أساس في الحروب والفوضى والفقر والجهل. ولأن المعالجات والمقاربات يجب أن تكون شاملة فحينما نعمل على وقف الحروب والفوضى، ونقود تنمية حقيقية فإننا بشكل تلقائي نجفف منابع التطرف ونحارب الإرهاب بالتنمية ونحرمه من البيئة الخصبة التي ينمو فيها، وهو، بالتحديد، ما تقوم به المنظمة بالإضافة إلى جهودها المباشرة عبر مراكزها وقراراتها وبرامجها المختلفة. هل أنتم مستريحون لطرق معالجة الوضع المأساوي لمسلمي الروهينغيا؟ -عملنا لا يتوقف وقد نواجه بعض العقبات، إلا أن أهم واجبات المنظمة ينصب في إبقاء القضية في دائرة الضوء، وعدم الركون إلى سياسة «الوضع الراهن» بكل تداعياتها السلبية.. ومن هذا المنطلق لا تألو المنظمة جهدا في الإسهام في معالجة المأساة بالمشاركة مع المجتمع الدولي، أو من خلال دولها الأعضاء.. وقد نجحنا مؤخرا في اجتماع وزراء الخارجية الإسلامي الأخير في دكّا في تكثيف العمل من أجل الأزمة من كل جوانبها السياسية والإنسانية. على كل حال، لا يوجد في السياسة حلول سحرية خاصة لمثل هذه القضايا المعقدة، لكن الارتياح الذي قد ينتابني هو في إدراكي التام بأننا نبذل ما نستطيع من أجل أن تستعيد أقلية الروهينغيا المسلمة حقوقها مهما كلفنا ذلك من وقت أو جهد أو موارد. وإنني أحث المسلمين جميعا على انتهاز الفرصة في هذا الشهر الكريم للدعاء لإخوانهم اللاجئين المكلومين من الروهيجيا، وبذل ما يستطيعون ماديا لمساعدتهم من خلال القنوات الرسمية المعروفة. هل أنتم متفائلون بحل قريب لمشاكل الأقليات المسلمة في الفلبين وكشمير؟ وما هي نتائج اتصالاتكم في هذا المجال؟ - التفاؤل فضيلة يجب أن يتحلى بها السياسي، ليس في هاتين القضيتين فحسب بل بشكل عام. ربما لا أستطيع أن أضع قضيتين مثل الأقلية المسلمة في جنوبالفلبين وكشمير في سلة واحدة، فالأسباب هنا وهناك والبيئة تختلفان. فلقد حققنا الكثير من التقدم فيما يتعلق بحقوق الأقلية المسلمة في منداناو، ومع ذلك تظل القضيتان مرتبطتين بشكل وثيق مع اعتبارات سياسية عديدة تحكم مستقبل ومآلات المسلمين في كلا البقعتين. نعم، اتصالاتنا مستمرة عبر ما أقوم به أنا شخصيا أو من خلال وفود المنظمة واجتماعاتها الخاصة بكشمير أو منداناو. ما هو أبرز قرار أممي صدر في الفترة الأخيرة من وجهة نظركم؟ - قرار الجمعية العامة في 21 ديسمبر 2017، والذي حظي بتأييد 128 دولة وجاء ردا على إعلان واشنطن نقل سفارتها إلى القدس الشريف، حيث أكدت فيه الجمعية العامة أن أي قرارات أو إجراءات يقصد بها تغيير طابع مدينة القدس أو وضعها أو تكوينها الديمغرافي ليس لها أثر قانوني وتعد لاغية وباطلة ويتعين إلغاؤها امتثالا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. ما هي السلوكيات التي تتمنون تغييرها في المجتمع المسلم؟ - أن يتحلى المسلم بالأخلاق والقيم التي ينص عليها الدين الحنيف والتي هجرها البعض تحت وطأة الجهل أو العادات الخاطئة والأعراف المغلوطة. وهي مفاهيم خاطئة تتراوح في آثارها السلبية بين الخطير كتلك التي تتبناها جماعات إرهابية ترتجل تفسيرات لا تمت إلى الدين بصلة، أو من خلال التهاون في قيم حضارية كانت تميز مجتمعاتنا وباتت مفقودة جراء صعوبة العيش وضعف التعليم والاقتباسات الدينية التي تُجتزأ من سياقاتها وتوظف في غير موضعها. عن قرب هل سبق لكم صيام رمضان خارج الوطن.. وكيف كانت التجربة؟ -نعم سبق لي صيام رمضان خارج الوطن وذلك خلال أيام دراستي في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكانت تجربة صعبة للغاية نظراً لطول ساعات النهار خلال اليوم، وافتقادي للأجواء الروحانية المعتادة في المملكة أثناء الشهر الفضيل. أهم حدث لا تنساه في رمضان؟ - عندما كنت طالبا وصمنا رمضان وكان النهار طويلا، فجاء قرار الدولة بتقديم إجازة العيد مبكرا فرحة لنا. ما أبرز رياضة يمارسها الأمين العام إذا سمح وقته؟ - رياضة المشي، فلا يمر يوم دون أن أمشي بحدود الساعة. ما هي أبرز ملامح برنامجك الرمضاني اليومي؟ - قضاء سحابة اليوم في العمل ثم الإفطار وقضاء وقت مع العائلة إلى وقت صلاة التراويح، علماً بأنني لا أفرط بأخذ قسط من النوم قبل صلاة الفجر. ماهي هواية معاليكم بعيدا عن عملك أو احترافك؟ - أحب المطالعة والقراءة، فأنا قارئ نهم، وتستهويني جداً قراءة كتب السير الذاتية لأعلام الفكر والأدب والعلم. من أكثر الأشخاص تأثيراً في حياتك ؟ -والدتي رحمها الله، وخالي أمد الله في عمره. من هو مثلكم الأعلى أو قدوتكم في الحياة ؟ ولماذا ؟ - سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، يحفظه الله، لأنه حكم نفسه فحكم الآخرين. هل ستتابعون كأس العالم هذا الموسم وماهي توقعاتكم للمشاركة العربية؟ - رغم تزامن فعاليات كأس العالم مع فترة عيد الفطر المبارك، إلا أنني سأحرص على متابعة مباريات منتخبنا السعودي، وآمل أن يحالفهم الحظ في الوصول إلى التصفيات النهائية مع غيرهم من المنتخبات العربية والإسلامية. ما هي أبرز نتائج اللقاء التاريخي بينكم وبين بابا الفاتيكان؟ - أعتقد أن اللقاء بحد ذاته كان رسالة إلى العالم، وبخاصة، أولئك الذين يحاولون بث الفرقة والصدام. وقد أكد اللقاء على القواسم المشتركة بين الأديان والحضارات، وحجم ما نتفق عليه من مبادئ ثابتة تقوم على بعد إنساني قبل كل شيء. وقد أكدت له موقف المنظمة والعالم الإسلامي الرافض للتطرف والإرهاب، وشدد البابا بدوره على دعم مؤسسته الدينية للكثير من قضايانا العادلة. ما السبيل لإزالة أو تخفيف الأجندة الطائفية المتصاعدة لدى بعض الدول الأعضاء؟ وما هي أبرز أسباب ظهورها ثم استفحالها؟ - أولا، على هذه الدول الالتزام بميثاق المنظمة الذي يؤكد على ضرورة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، وثانيا، ألا تقحم هذه الدول الدين في أجنداتها السياسية أو تطوعه لتجنيد وتعبئة المقاتلين تحت شعارات تحريضية. ونحن ندرك أن أمتنا الإسلامية لم تكن لتواجه هذا الاحتقان الطائفي لولا أن قام البعض بتوظيف الاختلاف الطائفي من أجل ترسيخ الخلاف وتعميق الصدع وتحقيق مصالح سياسية ولو على حساب وحدة الدول وانسجام شعوبها. علينا أن نتعلم من التاريخ، فماضي أوروبا مثخن بالدمار وغارق في الدماء بسبب الحروب الطائفية التي استمرت لأكثر من ثلاثة قرون، ولا يجب أن نكرر مأساة الإنسان، فالأديان جاءت لصالح الإنسان وليس تدميره، فكيف بالاختلاف والفرقة داخل الدين الواحد.