غادر دنيا الناس ورحل إلى جوار ربه الكريم، مُلبياً النداء الأزلي أن «إلى الله المصير»، نائب رئيس مجلس الشورى السعودي، الصديق والزميل في العمل -سابقاً- بكلية الهندسة بجامعة الملك عبدالعزيز، والجار في السكن على مدى العشرات من السنين، معالي الدكتور محمد أمين الجفري رحمه الله.. (إنا لله وإنا إليه راجعون)، ولله ما أعطى ولله ما أخذ وكل شيء عنده بقدر، فالموت كأسٌ الكل شارب منها، ف(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ)، وقد قال الحسن البصري -رحمه الله- (ما رأيت يقينًا لا شك فيه، أشبه بشكٍ لا يقين فيه من الموت)، وقديماً قال الشاعر: وما الناس إلا هالك.. وابن هالك وذو نسبٍ في الهالكين عريق! فالله نسأل له الفردوس الأعلى من الجنة، فقد كان رجلاً نقي الفطرة، دمث الخلق، دائم الابتسامة، بشوشاً ومُحبَّاً للخير للآخرين، قريباً من الله، نحسبه كذلك، ولا نُزكِّي على الله أحداً، وفي فقده المفاجئ وفي هذه السن المبكرة نسبياً -بعد أن قضى شبابه في العطاء العلمي والتربوي، وبلوغه مراتب الخبرة (الأكاديمية، وفي القطاع الخاص ضمن برامج التعاون الجامعي بين الجامعة والقطاع الخاص، ومنها الإعارة مع شركة صافولا، وفي العمل العام الرسمي من خلال تدرُّجه بمجلس الشورى الموقر)- خسارة فادحة للمجلس خصوصاً، وللوطن عموماً ، وصدمة لمن لم يستفق بعد من الانكباب على دنيا فانية. إن في وفاة الرجل الطيب بأيامٍ معدودة بل بيوم واحد قبيل دخول شهر الصيام لعبرةٌ للناس جميعاً، لاسيما لنا نحن أنداده من جيله، بأن الأجل المكتوب عند الله إذا جاء لا يُقدَّم ساعة ولا يُؤخَّر، وأنه (وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت). فأنا على يقين بأنه -رحمه الله- مثله مثل غالبية المسلمين، قد حدَّث نفسه كما حدَّثنا أنفسنا، بل وربما يُخطِّط البعض للتنافس في عمل الصالحات في شهر رمضان، شهر القرآن، فالرحلة فردية وطويلة وشاقة، والزاد قليل. من أبرز سمات الراحل معالي د. محمد أمين الجفري -رحمه الله-، حرصه الشديد على أداء الصلوات الخمس جماعة في المسجد يومياً، وعلى طول أيام العام، وذلك في تقديري دليل خير لا يطيقه سوى الصالحين، وقد كانت له -يرحمه الله- بصمات إيجابية واضحة في التعاون مع الجيران، في إبراز دور المسجد الحضاري في تهذيب الأخلاق وحسن السلوك والاهتمام بالشأن العام. لقد جاء خبر الوفاة فاجعاً وصادماً للكثير من معارف الدكتور -رحمه الله-، من بينهم الفقير إلى عفو ربه، فعهدي به أنه كان يتمتع بحالةٍ صحية ممتازة، ولكن موت الفجاءة، كما علّمنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من إحدى سمات عصرنا هذا، والعبرة هنا هي أن يكون كل أحد منَّا على أهبة الاستعداد، (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون). جمعنا الله ووالدينا وإياه وجميع الأحبة في الفردوس الأعلى من الجنة في دار الخلد، في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وهمسة حانية ومحبّة في أذان أبنائه البررة: «لقد ترك لكم أبوكم إرثاً أخلاقياً ذائع الصيت في خدمة وطنه، في التعليم والتدريب وفي القطاع الخاص، وفي القطاع الرسمي في إحدى أهم المؤسسات الحكومية للمشاركة في صنع القرار الوطني، فاحرصوا على استمراريته، فأنتم بحول الله امتداد لحياة أبيكم».