حثّنا ديننا الإسلامي الحنيف على تجنب العنصرية بمختلف مظاهرها، فهي منافية لأخلاقنا الإسلامية؛ فجميعنا أمام الله سواسية.. لذلك، تُحارب الدولة أي تصرف يصدر عن الأفراد من شأنه أن يؤثر على لحمتها الوطنية أو يهدف لزرع الأحقاد بين أبناء الوطن الواحد، فبلادنا تجمع العديد من الثقافات والاختلافات الاجتماعية نظرًا لكبر مساحتها وتنوّع طبيعة أراضيها. وقد وافق مجلس الشورى في جلسته العادية الرابعة والستين من أعمال السنة الأولى للدورة السابعة على ملاءمة دراسة مقترح مشروع نظام مكافحة التمييز وبث الكراهية. وقد طالبت لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية في توصيتها بالتقرير الذي تم رفعه للمجلس بضرورة سن النظام إذ رأت أنّ المملكة بمكانتها الدينية والسياسية والاقتصادية في حاجة ماسة إلى نظام يُجرّم العنصرية والكراهية، ويحظر تشكيل المنظمات التي لها طابع عنصري أو تؤيد التمييز العنصري. كما اعتبرت اللجنة أنّ صدور نظام لمكافحة التمييز وبث الكراهية هو استمرار للنهج الإسلامي الذي تُطبّقه المملكة ويُعدّ تقنينًا لمبادئ النظام الأساسي للحكم. كما أنّه نظام يتماشى مع الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة التي انضمت إليها المملكة؛ ولذلك فإنّ هذا النظام من شأنه أن يحافظ على النسيج الاجتماعي وعدالة تطبيق الأنظمة وتجريم الأفعال التي تمّس هاتين الغايتين الساميتين والمعاقبة على الممارسات التي تفضي إلى الفرقة والتنابذ والانقسام كافة. وبالرغم من تأييد أعضاء مجلس الشورى بالأغلبية لمشروع النظام، إلا أنّه لم يُشرّع نظاميًا ويصدر إلى وقتنا الحالي. ومع حقيقة غياب النصوص القانونية التي تجرّم العنصرية وبث الكراهية، إلا أنّ بعض القضاة توجهوا إلى تجريم هذا النوع من الإساءة ورتّبوا عليها عقوبات تعزيرية في الدعاوى المعروضة عليهم وذلك حفظًا للحقوق وكرامةً للإنسان. ويظهر ذلك جليًا في أحد الأحكام الأولية بهذا الصدد الصادرة عن المحكمة الجزائية بخصوص تجريم العنصرية بين أفراد المجتمع والتي حكم قضاتها بإدانة المدعى عليه بارتكابه جريمة معلوماتية بسبب تلفظه بعبارات يقصد بها الانتقاص من أصل المدعية، وحكم بتغريمه مبلغًا ماليًا بالإضافة إلى الزامه بتقديم «الاعتذار لما صدر منه تجاهها من لفظ عنصري». وهذه تُحسب سابقة قضائية للقضاة الذين نقدّم لهم كل الاحترام والتقدير لمبادرتهم والحرص على إعمال الحق واعتبار أنّ كل ما قد ينتقص من الشخص بطريقة تُعبّر عن أي شكل من أشكال العنصرية سيُحاكم عليها ويُعاقب لأنّ الانتقاص من الناس والمساس بأصلهم قد يلحق العديد من الأضرار النفسية بهم يُعد من جرائم الحق الخاص التي توجب المعاقبة عليها. غير أنّ قضاة محكمة الاستئناف طالبوا بقرار الملاحظة بحذف كلمة «عنصرية» من الحكم الصادر، فما هي الكلمة البديلة والملائمة لها؟ فمفهوم كلمة العنصرية هي الاعتقادات والأفكار التي توّلد لدى الشخص بأنّ هناك فئة أفضل من فئة أخرى بناءً على الاختلافات والفروقات الطبقية أو الاجتماعية أو العشائرية بين كلٍ منهم. وما صدر عن المحكوم عليه بالدعوى ناتج عن تصرفاته التمييزية بحق المدعية ومحاولة بث الكراهية وليس للأمر أي تصنيف آخر! أخيرًا، أتمنى أن يتم سن نظام يجرّم العنصرية والكراهية في القريب العاجل وألا يبقى مجرّد مسودة مشروع نظام حبرًا على الورق، فنحن بأمّس الحاجة لهذا النوع من الأنظمة لتتكامل المجموعة القانونية التي تحمي أفراد المجتمع وتقوّي أركانه ووحدته وجميع أواصره.