تكثر المواقف التي تواجهنا في كل يوم وليلة، ونشاهد فيها العجيب من الأقوال والأفعال، وينم كل موقف عن عقلية صاحبه، فكل إنسان يعرض نفسه على الناس كل يوم بقدر المواقف التي يتعرض لها. يتبادر سؤال دائمًا يتكرر بتكرر الكثير من اللحظات.. كل إنسان يرى نفسه محقًّا في كل تصرفاته وأقواله وأفعاله.. إذًا من المخطئ؟ ولم تحصل كل هذه الخلافات إذا كنا محقين صائبين فيما نقف فيه من مواقف، فقلّ أن تجد يومًا من يعترف بالخطأ بل ربما لن تجده إطلاقًا. في حوادث المرور، وفي الخلافات الشخصية، والخصومات بين الأفراد وخلافات الحياة الزوجية يتحدث كل منهم عن سلامة موقفه، ويبرر بالشواهد والبراهين، وربما لو استدعى الأمر أن يقسم برب البرية لأقسم على صحة رأيه وقوله.. والأعجب من ذلك كله مَن ينضم للموقف من أتباع الطرفين يقف كل منهما مدافعًا ومساندًا ومؤيدًا لموقف الطرف الأقرب له، وربما هو لا يعلم حقيقة الأمر وأطراف القضية محور الحديث. تصل الحكاية إلى أن الظالم يظلم غيره ويسيء له، ويبقى شامخًا بنفسه، يرى أنه الأكمل، ومع مرور الوقت يشعر بأنه انتصر للحق ودحر الباطل بظلمه، وربما وجد من ناصره وأعانه على مظلمته التي أصَّلها ونشأتها بحثًا عن حظوظ النفس، ومحاربة لمنافس، أو متصدر، أو ناجح؛ ليغلق الطريق أمامه، ولا يأتي في ساحته إلا بمن لا يسابقه في بابه. جميعهم يدعي الإنصاف والعدل وحب الآخرين، وهم لا يرون إلا ذواتهم، ولا يعيرون لغيرهم حرصًا أو اهتمامًا أو عناية، بل يسلبون حقوق الغير، متناسين وجوب الإنصاف. حلقة الإنصاف لو وُجِدت لتغير معها الكثير من الأحوال، وتحسنت معها الظروف، وانبسط المجال، ولبرز في الساحة من يستحق لكنها القوة الكتابية تهدم جهودًا، وتبني بيوتًا لا عماد لها. كثيرة دموع المظلومين ودعواتهم، ولو أنصف كل فرد في المجتمع من زاويته لابتسم الجميع ورضي كلٌّ عن أخيه، وأخذ كل ذي حق حقه وأغلقت المحاكم وانتهت القضايا والدعاوى. الإنصاف خصيم الظلم، ومن لم ينصف واجه الظالمين له ولن يفقد شيئًا من مظلمته، فما تزيد على كونها انتقلت من دار الفناء إلى دار البقاء، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.