كانت رحلة الخطوط الجوية السعودية رقم 256 القادمة من مطار إسطنبول إلى مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة تحمل عشرة حجاج فقط من بين جميع ركابها، ولما هبطت بنا في أرض المطار استقبلنا موظف وزارة الحج بابتسامة وترحيب. وقال لنا حفاظًا على وقتكم ينبغي أن تركبوا هذا الباص ليتوجه بكم مباشرة إلى صالة الحجاج، وهناك في صالة الحجاج ألقيت نظرة على القادمين من كل فج عميق، وقلت في نفسي لابد من أن أنتظر ثلاثة أيام على الأقل في هذا المكان ليصلني الدور ويختم على جوازي، غير أنه لم تمض ساعتان على وصولنا إلى قاعة الحجاج حتى سمعنا أحد الموظفين ينادي ركاب الخطوط الجوية القادمة من إسطنبول لم أفهم القصد من النداء غير أن كل الأفكار يمكن أن ترد على الخاطر باستثناء الذهاب إلى موظف الجوازات، لذلك لم أصدق عندما وجدتني أقف أمامه وجها لوجه وأسلمه الجواز فتحت عيني جيدًا وألقيت نظرة على ما حولي فلعل الأمر مجرد حلم لمسافر نائم على مقعد، لكن لا بأس حتى ولو كان حلما فهو حلم جميل. وبعد أن أتممت أنا وزميلي إجراءات الدخول وتسلمنا جوازينا وتبين لي أن الأمر حقيقة وليس مجرد حلم فتسهيل إجراءات دخول الحجاج إلى المملكة يتم حسب خطة محكمة دقيقة وفريدة من نوعها في العالم تضمن لهم الدخول في وقت قياسي لم أشاهد مثله في مطارات أوروبا رغم أسفاري الكثيرة إليها. وفي يوم التروية توجهنا إلى منى لنبدأ أعمال الحج، منى تلك المدينة التي تضج بالحركة والحياة وملايين البشر مدة أربعة أيام من السنة فقط وتظل خاوية بقية العام، ورغم ذلك فإنها تحتوي على كل المرافق الحيوية الضرورية، وإن الإنسان ليتعجب كيف استطاعت المملكة أن توفر كل هذا القدر من العمال والموظفين والأطباء ورجال الأمن وفرق الكشافة والمتطوعين وغيرهم، حرصًا منها على راحة الحجاج وسلامتهم، وليس ذلك في منى وحدها بل في عرفات ومزدلفة ومكان رمي الجمرات والطرق التي تربط بين المشاعر المقدسة.