أمة التوحيد والوحدة هي السمة الأبرز لأمتِنا الإسلامية، ومن المعلوم تاريخياً أنَّ هذه الأمة لم تنتصر على أعدائها إلاَّ بعد أن توحَّدت راياتها وتمسكت بعقيدة التوحيد، وتمسُّكها بالرباط الأوثق في علاقات أبنائها وشعوبها وهو رباط الأخوة والألفة لا الفرقة والخلاف، إنَّها أُمة الاعتصام، أمة التوحيد في عقيدتها وغاياتها وأهدافها، طموحاتها وأمانيها واحدة، ويوم افتراق الأمة الإسلامية واختلاف غاياتها وأهدافها فلنعلم أنَّ الشيطان قد أوقع بين أبنائها، فتشتت أهدافهم ومُزقت وحدتهم، وفرح بذلك شياطين الإنس في كل مكان والتاريخ خيرُ شاهد على أثر الفرقة في الأمة فقد سقطت الأندلس وضاعت فلسطين وغيرهما كثير، وخيرُ شاهد أنَّ الخلافات الآن تعصف بالدول العربية والإسلامية وأصبح من النادر أن تجتمع الدول كلها على رأي واحد وقد ظهر ذلك في أكثر من قضية وكأننا أمة بلا شعوب، مفككة، ومن أجل تحقيق الوحدة وهذه الأخوة فرض الله عددًا من الشعائر الجامعة للأمة منها صلاة الجماعة وفرض الصيام وفريضة الحج وهي العبادة الأكبر في تاريخ الأمة الإسلامية، بلْ هي أمُّ العبادات التي جمعت كل العبادات بداخلها سواء أكانت مادية، بدنية، معنوية، إنَّ فريضة الحج تُذكرنا بوحدتُنا التي جمعت القلوب والأفئدة يوماً من الأيام، يوم أن كان صهيب الرومي وسلمان الفارسي وسعد بن الربيع الأنصاري وعبدالرحمن بن عوف المهاجري المكي كانوا جميعاً متحابين متعاونين متآلفين رغم اختلاف بلادهم وأجناسهم ولغاتهم، ومما لا شك فيه أنَّ صورة الأمة الحقيقية تظهرُ في الحج لتؤكد للعالم كله أنَّ الأمل في وحدة وتضامن عربي وإسلامي مازال مشتعلاً، وليعلم الأعداء أنَّ المسلمين يعيشون في بقاع الأرض المختلفة موسماً هو أعظم مواسم الخير في حياة الأمة على الإطلاق. * وقفة: بالتأمل في كتاب الله وسنة نبيه الكريم وفي تاريخ الأمة الإسلامية نرى أنَّ الوحدة كان لها الدور الأبرز في نصر الأمة وعزتها وتحقيق كرامتها فهي سبب لإذلال أعداء الأمة وبها تحقق للمسلمين تسامٍ فوق الاعتبارات الإقليمية الضيقة، لذا جاءت الأوامر الربانية بالوحدة والنهي عن الفرقة والاختلاف، في قول الله تعالى «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا».