رمضانُ شهرُ الكرمِ والبذلِ والعطاءِ، وشهرُ المحبَّةِ والوفاءِ، فالصيامُ يساهم في جعلِ الإنسان يشعر بمعاناةِ الآخرين ممَّن ضاقت عليهم السبلُ، وقست عليهم الظروفُ، فنجد الناسَ يُبادرون إلى البذلِ والعطاءِ، ويحرصُ البعضُ على أن يُخرجَ زكاته في رمضان، وإلى أن يُقدِّم الصدقاتِ ويُنفق ويتبرع، فالعطاءُ والبذلُ من الصفاتِ التي قد لا تتوفر في كلِّ الناس، إلاَّ أنَّه في رمضان نجد هذه الخصلة تنتشر بين معظم الناس بشكلٍ أكبر، فالكلُّ يريدُ أن يعطي ويمنح، وبطرقٍ مختلفة، إذ إن بعض العطاء متنوِّع، فمن الناس مَن يُعطي من وقته، وبعضهم مَن يُعطي من علمه، وبعضهم مَن يُعطي مِن ماله، وبعضهم مَن يُعطي مِن جاهه، وبعضهم مَن يُعطي من جهدِه، وهناك العديد من النماذج المختلفة للعطاء، ولكن أجمل ما في عطاء رمضان، أن المعطي يجد متعةً لأنَّه يستشعر في رمضان معنى العطاء بشكلٍ أكبر، فهو ليس عطاءً بالإكراه، أو بشروط، أو من أجل مقابل، بل بقناعة وحب، وفي بعض الأحيان بشغفٍ يتركز في أن يرى الآخرين سعداء بما يُقدِّمه لهم في هذا الشهر الكريم. في رمضانَ تكونُ متعةُ العطاءِ أكبرَ، ليست فقط لمن يصلهم العطاء، بل أيضًا لمَن يُقدِّمونه، إذ يفرح البعض بما يُقدِّمه للآخرين، مثل ما يفرح مَن يأتيه العطاء، بل أكثر، فهو مؤمن بأنَّ متعة العطاء أعظم بكثير من متعة الأخذ، كما أنَّ البسمة التي تُرسَم على وجوه الصائمين لا تُقدَّر بثمن، بل إنَّ بعضها يبقى في ذاكرة المعطي لفتراتٍ طويلةٍ. البذل لا ينحصر في المال، ولا في الميسورين، بل الكل يمكنه أن يبذل مهما كانت ظروفه الماديَّة، وأن يستمتع بهذا البذل، فبعض البذلُ لا يُكلِّف شيئًا، فالكلمةُ الطيِّبةُ صدقةٌ، والإصلاحُ بينَ الناسِ، ونشرُ الأملِ والتفاؤلِ، والتشجيع على فعلِ الخير، والتحذيرُ من أبواب الشر، فالنفس في رمضان تكون توَّاقةً إلى الخير، وهي أقرب إلى البذل، وإلى إدخال البهجة والسرور في نفوس الآخرين، ورسم البسمة على شفاههم. رمضانُ شهرُ البذلِ والعطاءِ، ولن يجدَ الإنسانُ وقتًا للبذل أفضل من رمضان، خصوصًا وأنَّ أبواب الخير فيه تكون متنوِّعةً، وغير محدودة، فلا مجال للتأجيل، ولا مجال للتسويف، ففي العطاء متعةٌ، وتكون أكبر في رمضان.