يعد إنشاء الكراسي العلمية في الجامعات السعودية أمرًا حديث العهد، إذا ما قورنت بمثيلاتها في الجامعات العالمية الأخرى، فأقدم الكراسي السعودية لا يتعدى عمره ال(20) عامًا، ورغم هذا الحضور الذي يمتد لعقدين من الزمن أو يزيد قليلاًَ، فإن الملاحظ أن لا أثر يلمس لهذه الكراسي في المجتمع بشكل مؤثِّر وفعَّال، كما أن مخرجاتها خارج دائرة الضوء الإعلامي.. «المدينة» فتحت ملف الكراسي العلمية في الجامعات السعودية، في ندوة نظمتها بمقرها، ودعت إليها مجموعة من الأكاديميين والمهتمين بهذا الجانب، حيث دار النقاش حول محاور أساسية تركزت في مجملها حول أهداف هذه الكراسي، وما تحقق منها، وأثرها في المجتمع، وعلاقتها بالقطاع الخاص، وغيرها من المحاور الأخرى. * محور: هل حققت الجامعات أهداف هذه الكراسي العلمية التي وضعت بشراكة مع قطاعات مختلفة بعضها أكاديمي، والآخر اقتصادي، وما إلى ذلك؟ د.عبدالله الغامدي: لا أستطيع الإجابة قبل أن أقول شيئًا مهمًا عن الكراسي العلمية عمومًا، فهذه الكراسي العلمية موجودة عالميًا؛ بل إن عمر بعضها تجاوز الثلاثمئة عام، بينما نجد في المملكة العربية السعودية أن أقدم كرسي كان في جامعة البترول، جامعة الملك فهد، ولا يتجاوز عمره العشرين عامًا، ثم بعد كان في جامعة الملك عبدالعزيز، في عام 2004م، وهو الكرسي الثاني في المملكة، ولهذا فنحن حديثو عهد بالكراسي العلمية، إذا ما رجعنا إلى الكراسي العلمية العالمية، التي حققت، وما زالت تحقق عبر هذه السنين الطويلة الكثير، سواء على مستوى الإنتاج العلمي، أو براءات الاختراع، أو حتى في التصنيع في الميدان، وهذه هي الفكرة الرئيسة لمفهوم الكراسي العلمية، بحيث يكون لها إنتاج، والإنتاج لا شك يخدم الجامعات، ويخدم أساتذة الجامعات وترقياتهم وزيادة معرفتهم، كما يخدم الوطن بطريقة مختلفة من خلال الشراكة بين ما ينتجه هؤلاء العلماء ومؤسسات الجامعات، أو من خلال ما يخرج من منتجات هذه الكراسي، بما ينفع الوطن، وربما يمتد نفعها إلى الأمة والعالم ككل. ويضيف الغامدي: لا شك أنه منذ انطلاقة الكراسي العلمية عام 2004م وإلى اليوم، وهنا أتحدث عن جامعة الملك عبدالعزيز، هناك إلى اليوم حوالى 36 كرسيًا علميًا، وربما تكون هذه الإحصائية مخالفة للإحصائية التي أجريت عام 2016، وأشارت إلى وجود (13) كرسيًا علميًا.. هذا أولًا، ثانيًا إن هذه الكراسي العلمية نجدها في شتى الميادين، فهناك الكراسي الطبية، وهي الأغلى، ثم بعدها الكراسي العلمية، وبالتحديد في الهندسة، ثم الكراسي العلمية عمومًا، ثم تليها الكراسي الإنسانية، ثم في الأخير الكراسي الاقتصادية، حسب تسلسل إحصاءات معهد البحوث والاستشارات بجامعة الملك عبدالعزيز. هذه الكراسي العلمية لا شك أنها منذ بداياتها كانت متعثرة؛ لكن مع الوقت، في السنوات 2005، و2006، و2007م ظهرت ما يسمى هيكلة للكراسي العلمية، بالإضافة إلى أن الجامعة اعتمدت أنظمة لهذه الكراسي، حتى لا تخرج عن الإطار الذي جُعلت من أجله. * محور: ما هو أثر الكراسي العلمية على المجتمع، وتأثر مخرجاتها عليه؟ د. مازن بليلة: لا شك أن هذا الموضوع المطروح حسّاس ومهم، ويخدم الفترة الحالية التي تعيشها المملكة. وكما تفضل الدكتور عبدالله الغامدي في شرحه بأسلوب متميز عن الكراسي العلمية في الجامعات بصورة عامة، وكيف أصبحنا اليوم نتميز بنهج علمي متميز في هذا المجال، لكن مع التحول الوطني 2020، ومع الرؤية 2030 فإن كثيرًا من التوجهات تضع المسؤوليات على الجامعات والكليات ومصادر دخلها والمحافظة على رسالتها، رغم تغير التمويل والدعم الاقتصادي من الدولة.. فالكراسي العلمية في هذه الجامعات تخدم هذا المجال من جانبين؛ أولًا إنها تعطي تمويلًا ذاتيًا للجامعات، من خلال البحوث الرصينة والقوية التي تخدم الرسالات العلمية ومناهجها، وأيضًا من خلال خدمة المجتمع بتقديم رسالة جيدة وهادفة، وأعتقد أن هذه تظهر من خلال مراجعة أسماء الكراسي العلمية الموجودة لدينا في جامعتنا. ويتابع بليلة مضيفًا: يمكننا تصنيف الكراسي العلمية إلى أقسام حسب الجهات، ومن أهمها كراسي الدرجة الأولى؛ وهي كراسي أول ما تنشأ تظهر أهميتها من خلال الاسم والعنوان والموضوع، وتكون فيها فكرة وموضوع، وتبدأ المجموعة تلتف حولها.. ولو اكتفت فقط بوجود العنوان فقط والموظفين والتمويل واقتصر الأمر على وجود عنوان فقط تحت معهد البحوث ممكن أن نصنفها درجة أولى، ويمكن أن تفيد المجتمع، وتعقد علاقات معرفة معه، عبر رسالتها وأهدافها، ونشر فكرة الكرسي العلمي الذي تتبناه. ويمكن أن تخرج منها بعد ذلك أبحاث علمية تخدم الوطن، ومع الدرجة الأعلى يمكن أن تخرج أبحاث عالمية، بحيث يكون لها تأثير على مستوى العالم، وليس على المستوى المحلي أو الإقليمي فقط، وبرأيي أن أفضل الكراسي العلمية هي التي تكون مؤثرة في الداخل ولها حضورها المميز في المجتمع. * محور: ما مدى شراكة القطاع الخاص في دعم الكراسي العلمية بالجامعات؟ د. عمر حافظ: لا شك أن هذا الموضوع موضوع مهم، والدكتور عبدالله الغامدي أشار إلى أن عُمر أقدم كرسي 300 سنة، لكن من قراءتي المتواضعة جدًا في هذا الموضوع، وجدت أن الكراسي العلمية ظهرت في الحضارة الإسلامية قبل أوروبا، الناس يظنون أنها من مستحدثات أوروبا، لكن وجدت في أحد المراجع أن نشأة الكراسي العلمية تعود إلى القرن السابع الهجري، الثالث عشر الميلادي، عندما أنشأ أول كرسي للأستاذية في جامعة القرويين بمدينة فاس بالمغرب لإلقاء دروس في التفسير، ومنذ ذلك الوقت انتشر إنشاء الكراسي العلمية، وخصص كلّ منها لمادة من مواد الدراسة، من أساتذة الكرسي المشهورين الذين شغلوا هذه الكراسي العالم المقرّي وابن الفحّام، وابن الصفّار، والتلمساني، وابن الإمام، وغيرهم، فهذه الكراسي العلمية صناعة إسلامية، والحضارة الإسلامية حفلت بالعناية الكبيرة بالعلوم والبحث العلمي. وفكرة الكراسي هي فكرة شراكة بين المؤسسات الأكاديمية وبين الشركات وأي أشخاص خارج الجامعة الذين ترتكز عليهم في تمويل الأبحاث العلمية.. وتمويل البحث العلمي في العالم يعكس اهتمام الحكومة واهتمام القطاع الخاص، فتمويل القطاع الخاص للبحوث في الكراسي العلمية هدفه تحقيق نوع من التطوير والتحسين لمنتجات صناعية وغير صناعية، أو مخترعات يقوم بتمويلها، لخدمة القطاع الذي يقوم بتمويل هذه الكراسي، وقد وجد أن الحكومات والقطاع الخاص يقومان بتمويل الكراسي العلمية تحت إطار البحث العلمي، ولنأخذ بعض الدول التي تهتم بالبحث العلمي وتمويله، فالإحصائيات تشير إلى أنه القطاع الخاص في روسيا يموِّل البحث العلمي بما نسبته 31% والحكومة 61%، وهذا يشير إلى أن روسيا تعد من أكبر الدول في العالم من حيث تمويل البحث العلمي، وتلي روسياإيطاليا، حيث تموّل الحكومة هناك ما نسبته 50%، والقطاع الخاص يتكفل ب(50% ) أيضًا، وهنا أؤكد على أن هذه الشراكة بين القطاع الأكاديمي والجامعات والشركات كقاطع خاص تعتبر ظاهرة مهمة جدًا في تمويل الكراسي العلمية في الجامعات.. أما فيما يتصل بعدد الكراسي العلمية وأهميتها وفي أي مجال فالحق أنني لم أطلع على دراسة علمية حديثة في هذا الموضوع، لكن في المملكة يقال إن هناك ما لا يقل عن (200) كرسي علمي في الجامعات، لكنها خضعت لكثير من الطلوع والنزول، خذ مثلًا جامعة الملك سعود التي ألغت 22 كرسيًا علميًا، في الفترة الأخيرة. * محور: ماذا قدمت الكراسي العلمية للمجمتع وما هي مخرجاتها خلال تجربتها في السنوات العشر الأخيرة أو أكثر؟ د. نايف العتيبي: يبدو أنه ليس هناك تسليط إعلامي كبير على مخرجات الكراسي العلمية في الجامعات، سواء من داخل الجامعة أو خارجها، فالمخرجات موجودة، فقبل عام تقريبًا قمنا بحصر كل المخرجات العلمية، بما فيها البحوث التي خرجت من هذه الكراسي العلمية، فالمخرجات موجودة ونحتاج إلى أن نبرزها أكثر، وأعتقد أن مثل هذه الندوة يمكن أن تساهم بشكل كبير في نشر فكرة الكراسي العلمية. * محور: كيف يمكن فك احتكار الجامعات للكراسي العلمية بحيث تصبح موجودة في كل المجتمع ويستفيد منها؟ د. مازن بليلة: من المهم أن تكون هناك علاقة تربط ما بين الجامعة وما بين المجتمع، من خلال الشراكة التي تحدث بينها وبين القطاع الخاص، فالقطاع الخاص به الداعمون من أصحاب المال، والجامعة بها المفكرون والباحثون، فتنظيم هذه الكراسي العلمية من شأنه أن يوجد هذه العلاقة الإستراتيجية والضرورية بينهما، أضف إلى ذلك أن هناك طريقة غير مباشرة لهذه العلاقة تنظر في ما يوقف من مال أو دعم مباشر أو غير مباشر للطلاب والباحثين، فمثل هذه الأوقاف الخيرية من شأنها أن تنشر الوعي والثقافة بطريقة كبيرة جدًا علميًا واجتماعيًا. د. عبدالله الغامدي لو أننا حاولنا أن نحصي أو نجري عملية جرد لكل ما مرَّ من عام 2004م وحتى اليوم، أي منذ تأسيس أول كراسي وإلى اليوم لكل ال(36) كرسيًا الموجودة في جامعة الملك عبدالعزيز، وأنا أذكرها هنا كمثال فقط، فلعل هناك في الجامعات الأخرى لديهم نفس الآلية، سنجد أولًا أن هناك كراسي توعوية، بالإضافة إلى النشر العلمي وبراءة الاختراع التي تخرج من خلالها، أيضًا ربط الكراسي العلمية بالمجتمع بطريقة أو بأخرى غير الكراسي التوعوية، مثل كرسي «القدم السكرية» على سبيل المثال، الذي أنشأ وحدة خاصة بمراجعة المرضى على مستوى المملكة العربية السعودية وانطلاقًا من مدينة جدة ومحافظة جدة بالتحديد، فعندما تعود إلى الإحصاء لعدد المرضى الذين زاروا هذه الوحدة، التي لم تكن موجودة أصلًا ووجدت من خلال هذا الكرسي، نجد أن العدد كبير جدًا، كذلك عندما تأتي لسرطان الثدي تجد أن التوعية انتشرت في المجتمع؛ بل لقد حصلت على جوائز عالمية، فالدكتورة المشرفة على هذا الكرسي حصلت على جائزة من الرئيس الأمريكي نتيجة التوعية التي قامت بها. وأيضًا وفي ذات السياق المتصل بخدمة الكراسي العلمية للمجتمع نجد عددًا كبيرًا من النساء قد استفدن من ذلك، فقد افتتحت وحدة للكشف المبكر للنساء، وربما يكون هذا الجهد غير معروف لكثير من الناس في هذا المجتمع، يضاف إلى ذلك الأبحاث التي انطلقت من هذه الكراسي سواء التوعوية أو الكراسي العلمية البحتة الخاصة بالكليات التطبيقية كالهندسة والعلوم والعلوم الإنسانية، فهناك عدد من هذه الأبحاث قد تم نشرها في مجلات عالمية محكمة، فيما يسمى بال(الفايس آي) بالجامعات.. كذلك فقد عقدت العديد من المؤتمرات داخل جامعة الملك عبدالعزيز على سبيل المثال خاصة بالكرسي المعني، ولا شك أن هناك أثر كبير لهذه الكراسي؛ داخلي وخارجي، ومن هذه الآثار التي يمكن أن أذكرها هو عدد براءات الاختراع التي نشأت من خلال الجامعة، ومن خلال أساتذة الجامعة، المشرفين على هذه الكراسي، هؤلاء الأساتذة ربما بدأ الواحد منهم في الكرسي كأستاذ مساعد، ثم أصبح الآن أستاذًا، وهو ما يعرف ب»البروفسور» في الجامعة، محصلة للأبحاث التي قام بها هو وزملاؤه من خلال هذا الكرسي العلمي، أيضًا وكما أشار الدكتور عبدالله؛ فإن الطلاب كذلك استفادوا لا شك من تجارب البحث العلمي، سواء طلاب مرحلة البكالاريوس أو الماجستير أو الدكتوراة، فشرط من شروط الكراسي العلمية في جامعة الملك عبدالعزيز أن يكون هناك عدد من الطلاب في جميع المراحل الثلاث مشارك في هذه الكراسي العلمية، إذًا فإن الذي لا يراه الإعلام خارج أسوار جامعة الملك عبدالعزيز، أو أسوار الجامعات عمومًا، هو أن هناك جانبًا إيجابيًا نحن نراه من الداخل للأسف، وربما يعود ذلك لنقص لدينا في نشر ما تقوم به هذه الكراسي العلمية، لكن عندما تأتي إلى الواقع من خلال الإحصاءات الموثقة سواء في الجامعات السعودية عمومًا، أو جامعة الملك عبدالعزيز بالتحديد، تجد أن هناك ما يفيد الجامعة، وأساتذة الجامعة وطلابها، وما يفيد المجتمع كذلك، وما تحقق من خلال هذه الكراسي العلمية التي دعمت لا شك من رجال أعمال، جزاهم الله خيرًا، طوال السنوات الماضية، من 2004م وحتى هذا التاريخ. * محور: ما هي رؤية رجال الأعمال الداعمين لهذه الكراسي العلمية، على مستوى الدعم المالي والتحفيز المعنوي.. وكيف ينظر لصنيعهم؟ أ. مها فتيحي: لا بد بداية أن ننظر إلى الكراسي العلمية في المملكة العربية السعودية من حيث كيفية بدايتها، فإذا أخذنا في الاعتبار أنها بدأت منذ عام 2004م، فهذا يعني أن لها (13) سنة فقط، ويمكننا القول إن الكراسي العلمية أمر جديد في المملكة، قياسًا على تاريخها في العالم، ف(هنري لوكس) كان أول كرسي علمي عمله واستفاد منه اسحق نيوتن في القرن الثامن عشر الميلادي.. فما الدافع الذي أوجد الكراسي العلمية في المملكة العربية السعودية، ولماذا لم تكن موجودة قبل سنة 2004م.. السبب الأساسي هو التصنيف العالمي للجامعات، الذي يشترط أن يكون لكل جامعة كراسي علمية موجودة ومعتمدة، ولديها أبحاث يتم نشرها والاستفادة منها، مما ينعكس أثره في تصنيف الجامعة عالميًا، وتصنيف الأستاذ المشارك بأبحاثه في هذه الكراسي العلمية، وتكون دافعًا لترقيته في أستاذيته، لكن عندما تكون الأبحاث حبيسة الأضابير فقط، أو المكتبات، ولا تترجم إلى واقع في المجتمع؛ فإن ذلك يعني أننا نقوم بشيء إعلامي فقط، وليس أمرًا ذا فائدة للمجتمع. فالكراسي العلمية التي تهدف إلى خدمة المجتمع. وأنا أعلم أن الوالد -متعه الله بالصحة- قد أنشأ كرسي أمراض البروستاتا في عام 2007م، وعندما أخبرني الدكتور فهد الشريف بعزم جريدة المدينة على مناقشة هذا الملف، وطلب مشاركتي فيه، سألت والدي عن أخبار كرسي أمراض البروستاتا، لأنه كان مهتمًا بهذا الموضوع، قال لي: لقد توقف، قلت له: ولماذا، فقد كان أمرًا مفيدًا وطيبًا، فقال لي: لم يطلعوني على النتائج، فقلت لهم اعتبروا ما قدمته لإنشاء الكراسي تبرعًا مني، لكني لن أستمر لأني لم ألمس أي شيء على أرض الواقع.. فقلت له: ماذا كنت تتوقع أن ترى على أرض الواقع؟ فقال لي: إن أمراض البروستاتا من الأمراض المنتشرة في منطقة الخليج العربي، وبالذات في المملكة العربية السعودية، وهو من الأمراض البطيئة في مسألة العلاج، ولهذا يمكن أن تجرى الأبحاث والدراسات في هذا الجانب، ونذكر هنا الدكتور زهير سباعي الذي يشير إلى أن لدينا أمراضًا تتعلق بالبيئة، ولهذا لا يصلح أن نستورد لها أدوية مصنعة في مكان آخر ثم يجري استعمالها هنا، ولهذا فمن اللازم أن تخرج بيئتنا العلاج المتناسب مع بيئتنا.. فقال لي: من هذا الواقع كنت أتوقع أن يستفيدوا من إنشاء هذا الكراسي، فقد عانيت من هذا المرض، وأحببت ألا يعاني منه أحد غيري بالذات.. فالكراسي العلمية كي تنتج دواء أو علاجًا فإن هذا شيء مكلف جدًا، فالدول الكبرى تصرف على هذا الجانب ما لا يقل عن 1.8 بليون دولار، ما يعادل 8 مليارات ريال، وهو ما يمثل ميزانيات لبعض الدول، ولهذا أتمنى ألا تتجه الكراسي العلمية لهذا الجانب، لأنها تحتاج إلى عمل كثير وكبير جدًا حتى نصل إليه، ولكن لا مانع في الأبحاث العلمية وفي الطب وغيرها، من التي يستفيد منها الطلاب والأستاذ، لكن المجتمع لن تصله أي فائدة منها إذا اتجهت إلى تصنيع الدواء، نظرًا للكلفة المالية العالية التي يحتاجها. وقد أشار الدكتور مازن إلى الكراسي التوعوية، فهذه قيمتها كبيرة في المجتمع، لنشر الوعي بموضوع معيَّن على أن يتم ذلك بعمق وليس بسطحية، مثل ما حصل في موضوع سرطان الثدي، فقد كان جهدًا جميلًا ومقدرًا، فالدكتور سامية العامودي، والأميرة هيفاء الفيصل، وكل اللواتي عانين من هذا الداء، تعاملن مع الموضوع بعمق شديد، واستطعن أن يخرجن ببرامج تخدم المجتمع بشكل فعّال. الشيء الآخر أننا بحاجة للكراسي الاجتماعية والإنسانية، نحن بحاجة إلى كراسي تنتج أبحاثًا وبرامج تغير النمط السائد في التفكير في المجتمع، حتى إذا أردنا لصحتنا أن تتحسن إلى الأفضل، فالصحة أغلبها منهج وأسلوب حياة، فنمط حياتنا لا يستقيم صحيًا إلا إذا استطعنا تغيير طريقة تعاملنا مع الأشياء التي حولنا، فلو أن الكراسي الاجتماعية والإنسانية وحتى الكراسي التوعوية تركز على كيف يمكن أن نغير نمط حياة المجتمع السعودي لكي يكون أكثر صحة وبهجة وتفاعلًا وعطاء وانضباطًا ومسؤولية، فهذا هو الذي نحتاجه الآن، فنحن اليوم مقبلون على المستقبل، نحن لا ينقصنا شيء، فقط هذه الكراسي وهذه الجامعات يكون ربطها بالمجتمع ليس عبر أبحاث يكون الهدف منها التصنيف العالمي، وليس فقط ليترقى الأستاذ علميًا، كل هذا جهد يستحق الإشادة والمباركة؛ ولكن الأهم من ذلك كله أن يترجم البحث إلى أعمال مجتمعية يكون لها تأثيرها على نمط المجتمع ووتيرة حياته. مشاركون: د. عبدالله الغامدي .. مدير معهد البحوث العلمية بجامعة الملك عبدالعزيز د. عمر حافظ .. أستاذ الاقتصاد الإسلامي والخبير المالي د. نايف العتيبي .. وكيل معهد البحوث العلمية بجامعة الملك عبدالعزيز أ. مها فتيحي .. سيدة أعمال وعضو مجلس إدارة مركز السيدة خديجة بنت خويلد