إذا كان ابن بطوطة وابن فضلان، وغيرهما من الرحالة والمستكشفين العرب الأوائل، الذين جابوا العالم شرقًا وغربًا وسجلوا انطباعاتهم ومشاهداتهم في أسفارهم، التي ألفوها منذ قرون وما زالت تحظى باهتمام الباحثين.. فإن الرحالة السعودي أمين غبرة قد خطا خطوات أبعد من مجرد تسجيل الانطباعات عن حياة الشعوب وغرائب عاداتها، حيث كان محور اهتمامه، فيما يمكن أن يطلق عليه التخصص في آداب الرحلات فقد كرَّس تركيزه على رصد توثيقي لأقدم المساجد وأغربها في مشارق الأرض ومغاربها.. عبر رحلة امتدت 40 عامًا.. جاب خلالها كل أركان وزوايا المعمورة مؤرخًا في احتفاء كبير لبيوت الله في الأرض.. أمين موَّل رحلته، التي قام بها بمبادرة ذاتية من حر ماله.. مؤكدًا أن سفره لا لغرض السياحة، وإنما الاستكشاف، وأن ما اكتسبه من خبرة واطلع عليه من معلومات أغلى بكثير مما خسره.. أما كيف بدأت هذه الرحلة الطويلة، وكيف انتهت فهو حيث تمتد حلقاته على مدى شهر رمضان المبارك، يستعرض من خلاله أغرب وأقدم المساجد، التي زارها.. فإلى الحلقة الثانية من سلسلة أحاديثه الشيقة حيث طرق في هذه المرة أبواب «البلقان» وتحديدًا دولة ألبانيا حيث مسجد أدهم باي والذي عاصر فترات عصيبة خلال الحقبة الستالينية والتي منع خلالها أنور خوجة الشعائر الدينية للمسلمين والمسيحيين وأغلق المساجد والكنائس ليعود إلى سيرته الأولى عقب سقوطه واندحار الشيوعية.. بل كما يقول الرحالة إنه شهد توزيع الإفطار والسحور مجانًا على الصائمين والمارة على طريق المسجد. يقول الرحالة أمين كنت أسمع عن دول البلقان ولكن لم يكن باستطاعتي الدخول إليها كونها كانت من الدول التي تقع تحت الحكم الشيوعي الماركسي الصارم والتى لا تسمح بدخول الأجانب إلا في أضيق الحدود ولأسباب محددة وكانت المملكة لا تقيم أي علاقات دبلوماسية مع تلك الدول إلى أن تمزق الاتحاد السوفيتي بانتهاء الحرب الباردة بداية من عام 1989 م وحينها برزت كيانات قومية جديدة ظهر بعضها نتيجة استقلالها عن دولة يوغسلافيا. يقع هذا المسجد الأثري على مساحة 700 متر مربع ويتسع ل500 مصلٍ ويماثل في معماره عمارة المساجد التركية العثمانية وهو بمئذنة واحدة من الناحية الشمالية يصل ارتفاعها إلى 40م ويوجد في المسجد قبة واحدة لا نوافذ فيها تتوسط البناء بزخارف جميلة من الداخل وألوان مستوحاة من الطبيعة وفي قمة القبة كتبت آية الكرسي باللغة العربية وبالخط العثماني القديم. أما جداريات المسجد من الداخل فتتميز برسومات على شكل لوحات مستوحاة من الزخارف والفن الإسلامي وبطريقة احترافية جميلة والعجيب فيها أن الألوان ما زالت على حالها وإن تقادمت عليها السنوات ولا تزال ظاهرة وواضحة. مسجد أدهم باي ويضيف أمين: سكنت في فندق كانت غرفتي تطل على أقدم مسجد في دول البلقان وهومسجد (أدهم باي) شُيِّد مسجد أدهم باي في القرن الثامن عشر الميلادي وبالتحديد في عام 1787 م في عهد والي تيرانا (الملا باي) وانتهي من بنائه عام 1823 في عهد ابنه (هاكسي إثيم باي حفيد سليمان باشا) غير أن المسجد تم إغلاقه خلال الحكم الشيوعي إلى أن تم إعادة فتحة في عام 1991 إبان انهيار الاتحاد السوفيتي حيث تجمع ما يقارب 10 آلاف شخص من المسلمين ودخلوا المسجد عنوة وقاموا بالصلاة فيه وفي المنطقة المحيطة بالمسجد وأقاموا ترسانة من أجسادهم تمنع من يريد التدخل ومنعهم واصطفوا عدة صفوف يتقدمهم كبار السن عندها لم تتدخل السلطات أو تمنعهم. عاصمة الإسلام الأوروبية أما عن أولى رحلاتي إلى دول البلقان فقد كانت إلى ألبانيا والتي لها تاريخ إسلامي طويل فقد كانت تسمى عاصمة الإسلام الأوروبي لخروج عدد كبير من العلماء منها كان أشهرهم الإمام والمحدث أبوعبدالرحمن محمد بن نجاتي بن آدم الأشقودي الألباني الأرنؤطي والمعروف باسم محمد ناصر الدين الألباني الباحث في شؤون الحديث ويعد من علماء الحديث البارزين في العصر الحديث وتوفي عام 1999م. اختفاء الشعائر الدينية دخل الإسلام لهذه الدول من خلال الحكم العثماني ما بين عامي 1317 إلى عام 1913 ميلادي ولكن بعد أن رضخت للحكم الشيوعي لعقود من الزمن اختفت الشعائر الدينية وظهر جيل جديد لا يعرف الإسلام إلا اسمًا فقط وفي العهد الشيوعي تم القضاء علي رجال الدين المسلمين بالإضافة إلى نظرائهم الكاثوليك الأرثوذوكس وبعدها أعلن الرئيس الألباني تلميذ ستالين (أنور خوجة) أن ألبانيا هي الدولة الوحيدة غير الدينية في عام 1967م. أرض التضاريس الوعرة ويتابع أمين قائلًا: يرجع تسمية البلقان بهذا الاسم إلى الأتراك الذين أطلقوه عليها بسبب الصّعوبات التي واجهتهم أثناء دخول البلقان. وذلك لوعورة التضاريس وقد أطلق الأتراك اسم البلقان في الأصل على جبل «ستارا بلانينا» الواقع في بلغاريا. رواق وبازار المسجد و للمسجد سقوف جذابة مصنوعة من الخشب وتتوزع مصابيح الإضاءة الأثرية في سقف وجدار المسجد وهناك رواق كبير يحيط بالمسجد من الشرق والشمال وكان بجانبة بازار كبير يقع في شمال غرب المسجد وكان يخدم الزائرين يطلق عليه بازار سليمان باشا والذي دمر تمامًا أيام الحرب العالمية الثانية. الإفطار والسحور مجانًا المسجد يقوم في شهر رمضان بتوزيع وجبات الإفطار والسحور للصائمين إن كان داخل المسجد أو المارة حيث يبلغ تعداد المسلمين في ألبانيا حاليًا حوالى مليون وستمئة ألف من سكانها البالغ عددهم حوالى 3 ملايين نسمة أي ما نسبته 56% من عدد السكان يسكن منهم 700 ألف نسمة في العاصمة تيرانا وتعقد في مساجد المدينة خلال شهر رمضان دروس العلم، وحلقات تلاوة القرآن، يقوم بها الأئمة من تلك البلاد، والمقيمون هناك من العرب والأتراك وهم حريصون على صلاة التراويح وقيام الليل كما تقوم بعض الدول بإرسال بعض الأئمة في شهر رمضان لهذا الغرض. مكتبة المحراب يوجد مكتبة صغيرة بالمسجد تحتوي على بعض من نسخ القرآن الكريم قديمة الطباعة وبعض كتب التفاسير كما يوجد في المسجد جوار المحراب باب صغير على غرفة صغيرة خصصت لتعليم القرآن الكريم.