ظهرت عبر السنوات الأخيرة عدد من المبادرات التطوعية التي تسعى لتقديم يد العون والمساعدة لكل من يحتاج، معبرة بذلك عن التلاحم مع المجتمع وإظهار روح التكافل فيه. ومع دخول شهر رمضان المبارك من كل عام تنشط الكثير من تلك المبادرات بين فردية وجماعية، في تسابق محمود للخير، يتسم بعضه بالتنظيم، والبعض الآخر بالعشوائية، وذلك عبر دعوات يطلقها البعض لضم عدد كبير من المتطوعين، للإسهام في بعض الأعمال الخيرية. واختلفت وجهات نظر الباحثين والمتابعين حول تلك المبادرات، فالبعض يرى أن العشوائية التي كانت تعاني منها بعض المبادرات التطوعية، يمكن التغاضي عنها أمام النوايا الطيبة في السعي للخير، فيما يرى البعض الآخر أن تلك العشوائية تعرقل هذا السعي وتعيق عمله، مؤكدين أن الأسباب تعود لعدم وجود ثقافة التطوع في المجتمع، معتبرين أن المتطوعين في المملكة لم يصلوا للاحتراف بعد، بينما اعتبر آخرون أن العمل التطوعي قديم جدا لدى المجتمع ولكنه يحتاج إلى تنظيم ليتحول إلى عمل مؤسسي مفيد. «المدينة» ناقشت المبادرات التطوعية في رمضان بين العشوائية والتنظيم، واستطلعت آراء العديد من المهتمين والمختصين والمشاركين في بعض تلك المبادرات، لنتعرف على آلية تسيير هذا العمل، وكيفية النهوض به. شرعي: ينبغي تحقيق الأنفع في المبادرات التطوعية يقول الدكتور عبدالله الميموني عضو هيئة التدريس بجامعة طيبة إمام وخطيب جامع الخندق إن العمل التطوعي باب واسع يشمل كل أبواب الخير والإحسان إنه مفتوح ومشرع للراغبين من الأفراد في كل ما يحقق المصلحة ويعم نفعه أو يخص، لكن الإحسان إذا كان تعاونيا ويشترك فيه مجموعة من الناس يكون عملا جماعيا يحتاج لضوابط تحميه من الاجتهاد القاصر والخطأ، فحين تعطي مالك لفقير تعرفه وتعرف عوزه وحاجته أو تتولى أنت بنفسك تفريق مالك ونفع العباد بأي نفع فأنت تعرف ماذا فعلت وأين وضعت مالك، لكن حينما نكون مجموعة وندفع مالنا إلى واحد أو اثنين أو مجموعة أو جمعية نحتاج إلى أن نعرف مخارج أموالنا وتبرعاتنا ونعلم أين توضع وكيف توزع ونضبط حدود الإنفاق وأنواعه، فالمشاريع الخيرية كثيرة متنوعة وبعضها أولى من بعض وبعضها أعم نفعا، ولهذا بينت الشريعة مخارج الزكاة، وأوضحت إن الأولى أن تكون من أغنياء البلد لفقرائها، فهم أولى من فقراء بلد آخر، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: «فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم». وكذلك المبادرات التطوعية في رمضان ينبغي أن يراعى فيها تحقيق الأنفع والأولى وعدم الازدواجية مع مشاريع مشابهة وبلادنا تزخر بكثير من أهل الفضل والإحسان ممن يتقربون بأنواع الأعمال التطوعية وتبتهج نفوسهم لما فيه نفع المسلمين من إحسان وتفطير للصائمين وغير ذلك، ولكن لابد من تنظيمه ومراعاة ما تقتضيه المصالح من اختيار نوعية الطعام ومقداره والمحافظة على نظافته وغير ذلك، كما أن الاعتدال في هذا مطلوب. خبير أمني: إشراف الجهات المختصة يمنع التستر وراء الأعمال الخيرية يرى المختص الأمني المتقاعد العميد ركن خالد بن محمد الرشيدان أن العشوائية في مثل هذه المبادرات تعطي فرصة للبعض للاستفادة منها للدعاية الشخصية أو لتغيير مسارها الخيري أو غير ذلك، وخصوصا انتشار بعض المبادرات على شبكات التواصل الاجتماعي حتى أصبحت فوضى في المجالس والمناسبات، فهناك من كلفوا أنفسهم بجمع التبرعات واستغلوا عطف الناس وليس لديهم تصاريح بذلك، ولا ينتمون لأي جهة أو جمعية خيرية. ولمنع هذه العشوائية يجب أن تحدد جهة واحدة مسؤولة من الدولة تصب فيها كل التبرعات، ووجود مثل هذه الجهات لها فائدة كبيرة لأنها توصل هذه المساعدات لمن هم في أمس الحاجة لها بناء على بحث للحالة، والمشكلة الأكبر التي يجب الالتفات لها بقوة هو استغلال تلك الأموال في دعم جهات متطرفة نجحت في جمع أموال طائلة بتلك الطريقة، فلابد أن نأخذ الحيطة والحذر ونتأكد لمن نقدم أموالنا وننتبه مما يحاك لنا وللمنطقة بأكملها، وأن تكون المبادرات التطوعية منظمة وتحت إشراف من الجهات المختصة حتى لا تكون تلك المبادرات تحصد لصالح مصادر مشبوهة تحت اسم عمل الخير والجمعيات التطوعية غير المصرح لها في جمع التبرعات. اللواء الجنيدي: المتطوعون يحتاجون التوعية ودورات تنظم عملهم يقول الخبير الأمني وقائد منطقة المدينةالمنورة سابقا اللواء عبدالعزيز الجنيدي إن جمعيات التطوع تهتم بالتواصل بين الغني وصاحب المال وبين المحتاج الفقير والمسكين، وهذا يقوي الترابط الاجتماعي وينمي روح الانتماء وحب الخير، وتظهر أهمية التطوع بالأزمات والكوارث، إلا أن أعمال التطوع تحتاج ترتيبا وتنظيما حتى لا تكون عشوائية وتفقد أهميتها والهدف منها، ومن الأهمية بمكان تنظيم جمع الأموال بحيث تكون هناك جهة رقابية لمعرفة المبالغ المالية المقدمة لأعمال التطوع وأوجه الصرف التي تصل إلى مستحقيها، فالشباب فيهم الخير، ولكن يحتاجون إلى توجيه وتوعية ودورات تنظم عملهم. خبير اجتماعي: على الجهات المعنية تنظيم المبادرات التطوعية يوضح الدكتور محمد محمود كسناوي أستاذ علم الاجتماع بجامعة أم القرى أن هذه المبادرات التطوعية التي يقوم بها الشباب خاصة في رمضان والحج تعتبر من المبادرات الثمينة التي حث عليها الدين، واجتماعيا فإن المجتمع يقيم هذه المبادرات ويضعها من ضمن الأولويات التي ينبغي على أفراد المجتمع حسب قدرته أن يقدمها مثل خدمة المعتمرين والحجاج، ونلاحظ أن هناك مبادرات تطوعية تظهر في شهر رمضان فقط، مثل توزيع المياه وتفطير الصائمين، وهذه جميعها تطوعية، ولكنها بحاجة لتنظيم، فلابد من الجهات المعنية أن تتولى عملية تنظيم هذه المبادرات التطوعية بدلا من أن تكون عشوائية وتنطوي تحت مظلات جهات أخرى مثل إدارة العمرة أو إدارة الحج وتنسق مع الشباب المتطوعين في التنظيم، ولابد أن يكون هناك حافز تشجيعي لهم. وأضاف إذا أردنا تعزيزها لابد أولا من خلال الأسر حث الأبناء وخاصة في المناسبات الدينية أن يبادروا للأعمال التطوعية في المجتمع حتى تدخل من باب الإحسان، ومن ناحية أخرى لابد على المدارس والمعاهد والجامعات تفعيل نشاطاتها بتعليم الطلاب كيفية التطوع ومجالاته، ولابد للجامعات أن توجه الشاب والفتاة بالأعمال التطوعية بالاضافة إلى إقامة الدورات، وكذلك على الإعلام أن يوجد برامج مثل التوعية التطوعية، فلابد أن تكون ثقافة مجتمعنا تتضمن التطوع. أخصائية اجتماعية: عمل إيجابي تحت إشراف مجتمعي مقنن تشير الاخصائية الاجتماعية رانيا عسيلان إلى أن كل مجتمع مهما اختلفت مذاهبه ومرجعياته لديه مواسم معينة للبرامج التطوعية، والتي تكون أحيانا برامج لتفعيل سلوك أو عادة محببة، وهذا ما سنتحدث عنه في هذا السياق وخاصة مع اقتراب الشهر الفضيل كونه موسما مباركا للتسابق على الخير، وفكرة التطوع والمبادرات هي من السلوكيات الجيدة من وجهة نظري، حيث إنها توضح أن المجتمع ما زال بخير، وهذه الفئة يجب أن تجد من يدعمها من مؤسسات وأفراد تحت إشراف مجتمعي مقنن، خاصة أن من يقوم على تنفيذها غالبا هم من شريحة الشباب بحيث يتم توفير البيئة المعتدلة في الفكر والتجهيزات المحفزة والتي تمكنهم من الاستمرار والإنجاز، كما تحتاج هذه الشريحة أيضاً إلى الإرشاد والتوجيه اللطيف والمحبب حتى لا تنحدر في طريق التزمت والتشدد المفرط. المكتب التطوعي بالمدينة: كل الجهات تستطيع رعاية العمل التطوعي قال الدكتور هاشم حمزة نور المشرف العام على مكتب العمل التطوعي بمنطقة المدينةالمنورة أن كل الجهات الحكومية والخاصة والخيرية تستطيع رعاية العمل التطوعي. والرعاية تشمل توفير القوى البشرية وخاصة من الجامعات وإدارة التعليم، توفير البني التحتية المساندة مثل هيئة تطوير المدينةالمنورة ونماء المنورة، وتوفير الدعم المالي والعيني من جميع الجهات العاملة في القطاع الخاص من شركات ومؤسسات عن طريق المشاركات المجتمعية، والتأهيل والتدريب من قبل الجامعات والمؤسسات التدريبية والخيرية الداعمة للتدريب، والمساندة اللوجستية من إمارة المنطقة والجهات الأمنية. وأوضح أن من أهم أهداف إنشاء مكتب العمل التطوعي هو تنسيق وتنظيم العمل التطوعي واحتساب ساعات التطوع وإعطاء رخص للعمل التطوعي فهناك جهات بحاجة للمتطوعين مثل الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي والمرور والجمعيات الخيرية، وهناك جهات لديها متطوعين مثل الجامعات وإدارة التعليم وهناك أيضا فرق تطوعية أهلية وأفراد متطوعين في المجتمع، وقال إن دور المكتب هو التنسيق بين هؤلاء جميعا عبر بوابته الإلكترونية لتسجيل المتطوعين وتزويد الجهات المحتاجة للمتطوعين وفق التخصص المطلوب. وأضاف أن المكتب يستقبل المبادرات التطوعية وهناك لجنة تنفيذية تشرف على أعمال المكتب من 11 جهة حكومية وخاصة من خلال عدد 7 وحدات تعمل بالمكتب، وتعمل كمجلس إدارة للمكتب يرأسها زملاء متطوعون ويساندهم نائبات متطوعات أيضا، يقوم رؤساء هذه الوحدات ونائباتهم بدراسة المبادرات التطوعية التي تسجل في الموقع أو التي تسلم للمكتب بشكل يدوي ثم تقدم الدعم المناسب لتحقيق هذه المبادرات وكذلك تقدم توصياتها لهذه المبادرات وقال إن المكتب يقدم المشورة ويعمل كذلك على رعاية المبادرات المتميزة من خلال شبكة اتصالات يقوم بها مع الجهات الراعية والداعمة للعمل التطوعي بالمنطقة. متطوعون: بعض الفرق تعمل بدون تنظيم ولأغراض شخصية يقول الشاب جمال يونس، أحد العاملين في المجال التطوعي الميداني، ويشارك في كل مناسبة دينية وخاصة في رمضان: إن العمل يسير بشكل جيد في مساعدة الأشخاص في رمضان وتقديم وجبات الإفطار، موضحا أن هناك فرقا تطوعية تعمل بشكل فردي وعشوائي. وتقول السيدة فاطمة العيطة إحدى المتطوعات سابقاً إن بعض المبادرات التطوعية تحولت لمصالح شخصية وكراسي ثابتة للظهور الاجتماعي على أكتاف الشباب والشابات بدون تقدير لمجهوداتهم وتعبهم والساعات التي أهدرت من وقتهم. وأشارت إلأى أنها عانت بتجربة من عدم تحديد العمل المكلفة به وتعدد الإداريين والغموض بالأداء الوظيفي، بحيث كل عمل نكلف به دون جدوى في إبراز مجهودات المتطوعين وبينت أن وجود مكتب العمل التطوعي والذي أبرم العقود القانونية بشروط صارمة تحفظ حق المتطوع أو المتطوعة بطريقة قانونية محكمة، بحيث كل شخص يبرز بعمله وساعات تطوعه وتكون بإشراف من الجهات المختصة وضمن المبادئ الدينية التي تحفظ الجميع. فبعض الفرق التطوعية أصبحت تجعل من المهرجانات طريقة لكسب المال بحجة التطوع، فتتكدس الشيكات من دخل الرعايات فلا حقوق تصرف لبعض المتطوعين ولا شهادات تقدم بشكل يليق بالمتطوع، وكل ذلك تحت شعار التطوع من أجل عمل الخير وكسب الخبرة. مضيفة أن التطوع في السنوات الأخيرة أصبح للبعض فقط مصدر رزق بشكل مجهول، متمنية أن تتم إدارة الفرق عبر العمل التطوعي ومنح التصريحات للفرق التي تستحق. قانوني: من المهم أن يكون العمل التطوعي تحت مظلة رسمية يؤكد المحامي بشير البلوي أنه من المهم أن يكون العمل التطوعي بشكل عام تحت مظلة رسمية مؤثوقة والمبادرات التطوعية في شهر رمضان لابد أن تكون في هذا الإطار لتقطع الفرصة أمام من يستغل هذا الموسم تحت أي مسمى كان لجمع الأموال التي ربما تذهب لجهات مجهولة منتهزة فرصة إقبال الناس على أعمال البر والصلة والإنفاق. وبين وجود بعض مشاريع الخيرية مثل تفطير الصائمين وتجهيز المساجد والمصليات وتنظيم رحلات لأداء مناسك العمرة وإرشاد المعتمرين والزائرين وتنظيم أعمال السير والمشاة ومساعدة كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة ونحو ذلك أعمال جليلة يتنافس عليها شبابنا في مشهد مشرف يتراءى للناظرين في جنبات المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي الشريف والنشاط الكشفي وبعض مبادرات شباب وغيرهما نماذج مشرفة للعمل التطوعي المنظم الذي يوفر لشبابنا مناخا تطوعيا يكرس فيهم روح العمل ومساعدة الناس بطريقة صحيحة وسليمة. ويمكن إبراز أهم نقاط العمل التطوعي من خلال تكميل العمل الحكومي وتدعيمه لصالح المجتمع عن طريق رفع مستوى الخدمة أو توسيعها، تطبيق الأسلوب العلمي من خلال خبراء متطوعين وصنع قنوات اتصال مع منظمات شبيهة والاستفادة من تجاربها، مضيفا أن العمل التطوعي المنظم غير العشوائي يزيد من لحمة التماسك الوطني وهذا دور اجتماعي هام.