افتتاح جزيرة سندالة للسياحة الفاخرة على البحر الأحمر    الطائرة الإغاثية السعودية ال14 تصل لبنان    وصفوه ب«مرشح السلام».. مسلمو ميشيغان يدعمون ترمب    كأس الملك: الاتحاد يستدرج الجندل والوحدة يستضيف القادسية والرياض يواجه الشباب    وزير الخارجية يستقبل نظيره الصومالي    متابعة تقنية للعنايات في المستشفيات الطرفية    الهلال يعلن تطورات اصابات بونو والعويس    زيلينسكي يطالب الغرب بمساعدته.. وبوتين يحذر    أمير الباحة يكرم طلاب وطالبات معرض الإبداع والفائزين بجائزة التميز    بمشاركة أكثر من 400 مستثمر.. «اتحاد الغرف» ينظم النسخة الثالثة للملتقى الاقتصادي السعودي الإماراتي    هيئة الموسيقى تنظم مهرجان الغناء بالفصحى    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    248 متطوعًا يقدمون 5095 ساعة تطوعية بجمعية العوامية    وزير العدل يبحث مع نظيره القطري سبل تعزيز التعاون    رابطة الدوري الإسباني وريال مدريد يتخذان إجراءات بعد إساءات عنصرية ضد لاعبي برشلونة    أمير الشرقية يدشن أعمال المنتدى الدولي لتعزيز مسيرة الحياد الكربوني    سعود بن نايف يرعى مُلتقى الأوقاف 2024م نوفمبر المقبل    نجم تطلق الحملة الثالثة "أمّن تسلم" لحماية أصحاب المركبات والمتضررين من الحوادث        السجل العقاري يبدأ تسجيل 43495 قطعة عقارية في مدينة الرياض ومحافظة الدرعية    هيرفي رينارد يعود لقيادة الأخضر السعودي    هيئة التراث تعتمد تسجيل 500 موقع في سجل التراث العمراني    البطولة تضحيات    30 لوحة فنية بأنامل 15 رسام ورسامه في فعالية بلدية الظهران    تحت رعاية خادم الحرمين .. انطلاق أعمال النسخة الأولى من (المُلتقى الدولي للمسؤولية الاجتماعية 2024) غدًا في الرياض    "طبية" جامعة الملك سعود توقّع 15 مذكرة تعاون في ملتقى الصحة العالمي    الوعي.. قبل الوعاء    القيادة تهنئ الحاكم العام لسانت فنسنت وجزر الغرينادين بذكرى استقلال بلادها    العالمي يزيد الراجحي يتوج بلقب رالي القصيم للمرة الرابعة    جهاز HUAWEI MatePad 12 X الجديد يقدّم تصميمًا أنيقًا وأداءً جريئًا وشاشة PaperMatte ثورية    هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    244 مروحة ضباب مائي لتبريد ساحات المسجد الحرام    «الصحة»: الإجازات التعويضية لن تنقل بعد توقيع عقود الشركة القابضة    «رابطة العالم الإسلامي» تدين الاعتداء العسكري على إيران    أمير الجوف ونائبه يُعزّيان مدير مرور المنطقة السابق في والده    جلوي بن عبدالعزيز يواسي آل سليم وآل بحري    تسربات شارع «حجاج النسيم».. من المسؤول عن إيقاف الهدر ؟    زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب منطقة شينجيانغ الصينية    بلدية البطين تكثف أعمالها الرقابية خلال الربع الثالث لعام 2024م    فرع هيئة الأمر بالمعروف بنجران يشارك بالمنصة التوعوية في مهرجان مزاد الإبل    نائب وزير الخارجية يلتقي نائب المدير التنفيذي لليونيسيف    دق باب السجن وطلب أن يحبس    المساجد في الدول الإسلامية والغربية    شواطئ وجزر خلابة.. «وادي لجب».. وجهة سياحية يقصدها عشاق المغامرة    أمي ماتت.. لكنها بقلبي حية    فاعلية و كفاءة    الزعيم.. سكري    ختام الدورة العلمية التأصيلية للدعاة والأئمة في المالديف    مدير «تعليم عسير»: إنجاز الخثعمي يترجم دعم القيادة للتعليم    مباحثات تعاون بين "الطب البديل" ودار النشر بجامعة الإمام    ملتقى علمي يبحث استخدام الخلايا الجذعية في طب العيون    «همبرغر ماكدونالدز» يقتل شخصاً ويُصيب 13 ولاية أمريكية ب«التسمم»    إلا خدمة «وصفتي»    أمير الجوف يُعزّي العتيبي    244 مروحة لتبريد المسجد الحرام    تكريم الفائزين بجائزة الأمير محمد بن فهد في دورتها الثالثة لأفضل أداء خيري في الوطن العربي    سموه عقد اجتماعًا مع رؤساء كبرى الشركات الصناعية.. وزير الدفاع ونظيره الإيطالي يبحثان تطوير التعاون الدفاعي    «الحسكي».. واحات طبيعية ومكونات سياحية مميزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجال في دوامة حب مي زيادة (1)
نشر في المدينة يوم 13 - 04 - 2017

* مصطفى صادق الرافعي.. يأسٌ بدأ لغةً وانتهَى سخريةً..
في ظرف وجيز، أصبحت مي -على الرَّغم منها- محطَّ أنظار الجميع، ليس فقط لذكائها، ولكن أيضًا لكونها امرأةً. فقد تحوَّلت إلى أداة للكشف عن الخواء الروحي عند جيل من الحداثيين بكامله. فقد مسَّ حضورُها مجموعةً كبيرةً من كتَّاب العصر، الذين ارتبطوا بصالونها الثقافيِّ. حتَّى أنَّ الكثيرَ منهم نسجوا قصصًا مع مي كما اشتهوها. أكثر هؤلاء حدَّةً، مصطفى صادق الرافعي. علاقته بمي غريبة جدًّا، وإشكاليَّة إلى حدٍّ بعيدٍ. فقد تخطَّى حدود المعقول؛ ليجدَ نفسه في دائرة قاربت الجنون. لم تكن العلاقة بينه وبين مي وهميَّةً فقط، لكنَّها كانت مستحيلةً أيضًا. لم يكن متعفِّفًا، ولا صوفيًّا، ولا عقلانيًّا -كما يُوصف عادةً- لكنَّهُ كان متعلِّقًا بشيءٍ افترضه حقيقةً، ثمَّ صدَّقه. حالة تخطَّت الإعجاب؛ لتصبحَ ضربًا من الجنون؛ لأنَّها كانت حبًّا من طرفٍ واحدٍ. أشكُّ كثيرًا في كون حبِّ الرافعي لمي كان فقط محرِّضًا جماليًّا. الحيثياتُ الواضحةُ تثبتُ عكسَ ذلك. الرجلُ كان متزوِّجًا. ويُقال إنَّ زوجتَه كانت تعرفُ بهذا الجنون اللغويِّ، الذي لا أعتقدُ أنَّها قبلت به. لا امرأة عاقلة تأذن لزوجها بحبِّ امرأةٍ أخرى، وتستمتع بقراءةِ كتاباتِهِ لها، التي وصلت حدَّ الهوسِ. الرجلُ أُصيبَ بحالةٍ حوَّلت مي إلى أيقونةٍ خاصَّةٍ به. من هنا تحتاج حالة الرافعي إلى تحليلٍ نفسيٍّ حقيقيٍّ. فهو تعبيرٌ عن حالة حبٍّ يائسةٍ عوَّضتها اللغة. كتبُه الثلاثة: «حديث القمر»، و»رسائل الأحزان»، و»السحاب الأحمر» التي كتبها بسرعةٍ برقيَّةٍ، جاءت كحالةٍ تنفيسيَّةٍ؛ خوفًا من انفجارٍ كان يرتسمُ في الأفق. يصرِّحُ الرافعيُّ أنَّه كَتب «رسائل الأحزان» في نيفٍ وعشرين يومًا، وكتبَ «حديث القمر» في أربعين، وكتبَ «السحاب» في شهرين. كان قد ألحقها بكتابٍ آخرَ هو: «أوراق الورد». من العناوين، والمادَّة النصيَّة يمكننا أنْ نتصوَّرَ مقدارَ الشعلة الحارقة واليائسة التي كانت فيه، حتَّى ولو تخفَّى من حين لآخر بشخصيَّة ماري يني، صاحبة مجلَّة ينيرفا، التي عرفها قبل تعرُّفه على مي، في الاحتفال التأبيني لفرح أنطون، وكان معجبًا بها. هذا التخفِّي كان يساعده أمام معارفه، وزوجته لإخفاء براكينه الداخليَّة. هذه الحالة أوصلته إلى مرضٍ حقيقيٍّ كما يسرُّ إلى صديقه محفوظ أبو رية، في 8 ديسمبر1924، أنَّ مرضَهُ سوريٌّ، ويقصدُ بذلك مي، حتَّى ولو تستَّر وراء ماري يني اللبنانيَّة. هذا الخنقُ لمي جعلها تنتفضُ، فاشتكى أمرَه لأبي رية في 22 فبراير1925م، أنَّ كتاب «السحاب الأحمر» قد أغضب الآنسة غضبًا شديدًا.
لم يتوقَّف عند هذا الحدِّ، فقد ظلَّ الرافعيُّ يحلمُ بإنهاء كتاب «الشيطانة»، الذي أتعبه كثيرًا. يؤكِّد أبو رية -نقلاً عن الرافعيِّ- أنَّ «الشيطانة» ليست إلاَّ مي. على الرغم من جهود الإخفاء وراء نساء أخريات، إلاَّ أنَّ سرَّه انكشف بسرعة، بين كلِّ المقرَّبين من حوله. أعتقدُ أنَّ حالة الوهم استفحلت معه؛ لدرجة أنَّه أصبح يكتبُ لنفسه رسائل، وكأنَّ مي هي مَن بعثها له. نجدُ هذا في «أوراق الورد»، التي يزعمُ فيها الرافعيُّ أنَّها جوابٌ من مي، على رسالة بعثها إليها بعنوان «أمَّا قبل». لكنَّ الحبَّ المستحيلَ كثيرًا ما ينتهي إلى الموت، أو الكراهية. في أواخر حياتها، عندما مرضت، ولم ينل منها أية التفاتة خاصَّة، بدأ ينمِّم عليها بشكلٍ انتقاميٍّ. في فصل: وهم الجمال، بعد مرضها، أصبح ينعتها بالمرأةِ العجوز والمريضة. يؤيِّد ذلك ما رواه العريان في 1935م حينما أراد الرافعيُّ زيارةَ مي، وكانت -يومئذٍ- في نحو الخمسين، لكنَّه غيَّر رأيه في ليلةٍ واحدةٍ، ولم يزرها، واكتفى بالقول: بحسبي أنَّها في نفسي.
يثبتُ التاريخُ -اليومَ- أنَّه لم تكن هناك أيَّة علاقة بين الرافعيِّ، ومي زيادة. ولا حتَّى أي استلطاف -كما يرى أنيس منصور-. يؤكِّد أنَّ الرافعيَّ ذهب بعيدًا في أوهامه؛ لدرجة أنَّه تخيَّل الاتِّصالات والرسائل المتبادلة. من هذه الأوهام العشقيَّة جاءت كتب: «السحاب الأحمر»، و«أوراق الورد»، و«رسائل الأحزان». يضيف أنيس منصور: إنَّه حينما سألها بعضُ المقرَّبين عن هذه العلاقة، نفت أن يكونَ بينها وبين الرافعيِّ أيّ تواصل خاص. فالرجل ينظر، ولا يسمع ما تقوله في معظم الأحيان. فسمعه ثقيل. لدرجة أنَّها بعثت له تطلب منه أن يكفَّ عن الإساءة لها أمام أصدقائها. قبل أن ينهي حياته معاديًا لها، واصفًا إيَّاها بالعجوز المريضة، في وقت كانت في أمسِّ الحاجة -على الأقل- لأصدقائها المقرَّبين من روَّاد صالونها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.