كثيراً ما أشار خادم الحرمين الشريفين حفظه الله لنعمة الأمن والأمان الذي تتمتع بها المملكة وهي نعمة كبرى مقارنة بمحيط عربي يموج بعدم الاستقرار وبعضه غارق في سفك دماء عبثي وفناء متبادل، وأجدني أستعيد إشارة خادم الحرمين الشريفين بدلالاتها في مقالي هذا وفق مفهوم شامل للأمن وهو ما يندرج في خطوة أقدمت عليها المملكة المغربية الشقيقة حين قررت هذا الشهر دمج المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء في الجنسية المغربية ،فهذه الخطوة المغربية أتت في وقتها من حيث أن معالجة أوضاع فئة مجهولي الهوية تعتبر مثالاً يحتذى لشكر نعمة الأمن والأمان بمعناه الشامل. إن شريحة (مجهولي الهوية ) صارت ظاهرة إنسانية موجودة في معظم دول العالم العربي وبلادنا ليست استثناء فهناك عدد محدود منهم في منطقة مكةالمكرمة وربما بمناطق أخرى، ولن آتي بجديد في هذا الأمر لأن أوضاعهم حسب علمي قتلت بحثاً في مراكز جامعية وإدارية وخلصت إلى أنهم فئة لا يُعرف لها وطن ،فالجيل الأول قدم للحج والعمرة واليوم صار منهم جيل ثالث، فليس ثمة دولة يمكن أن تقبل بتوطينه وهم لا يعرفون وطناً غير مكان ميلادهم مما يستلزم التفكير في خيارات تخاطب أوضاعهم، صحيح أنهم يقيمون ولكن في العشوائيات وفي حَوارٍ وشعاب وفي مناطق إن عاجلاً أو آجلا ستدفع للحاجة لقرار اقتصادي وإنساني وحتما بتفكير جديد لأنه في ظل تطبيق قرارات التوطين والتشديد على الهويات سوف تتفاقم أوضاع هذه الفئة لما هو أسوأ وسترتفع معدلات البطالة بينهم ،ولاشك أن البطالة والأوضاع الاقتصاديه تدفع للمخالفات وللسرقة، مما سيخدش نعمة الأمن ويضر بها. لاشك أن رجال الأمن يراقبون ويتابعون بدقة ويستجيبون لسلبيات الظاهرة ولكن ستظل هذه المتابعة أعلى كلفة من ثمن حلها وقد لا تقضي على جذور المشكلة. والحال كذلك قد لا أجازف إن قلت إن الظاهرة تتمدد خارج العشوائيات وخارج محيطها الأصل مما يصح معه الاستنتاج أن بعض إشارات في بوابة الحرمين وعروس البحر الأحمرجدة سجلت حالات للظاهرة، وهناك قصص يتداولها الجداويون حول بعض حالات سرقة منازل وأيا كانت دقة الأمر فإن المعادلة الاقتصادية تقول إن أغلقت باب العمل الشريف أمام أي إنسان فإن الحاجة ستدفعه للانحراف وربما لارتكاب الجنح وجرائم السطو المنظم، ولهذا من شكر نعمة الأمن والأمان التفكير بمواجهة الظاهرة بإعادة بناء وتطوير العشوائيات لأنها أقل كلفة من تكاليفها الاجتماعية وفي المقابل لا يجدى نهج النعام في إنكار المخاطر التي تترتب عليها ،ولهذا أميل لاقتراح عملي وهو طالما هناك عدم إمكانية لنقل هؤلاء لبلدانهم الأصلية فإن الخيار المتوفر دمجهم ولو بتصاريح عمل مؤقتة ريثما يتم علاج الظاهرة جذرياً، ويمكن أن يتزامن هذا الإجراء مع وضع أولويات صارمة للهجرة السلبية وتهريب البشر بالتحكم في من يدخل ويخرج من المملكة . وعلى كل نحن جزء من عصر فيه اضطرابات اجتماعية وهجرات مكلفة مما يستدعي المواكبة.