لا بد لنا أن نعلم أن هذه الرحلة هي رحلة تعبد إيمانية خالصة مفادها الطاعة والعبادة على الوجه المشروع وأن نتجه بكل نياتنا وأعمالنا وأقوالنا وأفعالنا لله وحده لا شريك له بثياب بيضاء وقلوب أنصع بياضاً تنساب جموعهم ويسرعون خطاهم يفرون إلى الله رب الورى وأرواحهم مشتاقة وأفئدتهم خفاقة ونفوسهم للقاء ربهم تواقة فما أرحب القدوم وما أكرم المضيف. فيا له من ركن يختزن كل معاني الإنسانية والرفعة والسمو ويجرد الناس من كل عوالق الطين ليغسل القلوب والعقول والنفوس من براثن الشيطان. فالحج من الطقوس الدينية الموجودة قبل الإسلام، إذ يعتقد المسلمون أنه شعيرة فرضها الله على أمم سابقة مثل الحنيفية أتباع ملة النبي إبراهيم، يقول الله تعالى (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ، وأذن في الناس بالحج ياتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق)، فكان الناس يؤدونها أيام النبي إبراهيم ومن بعده، لكنهم خالفوا بعض مناسك الحج وابتدعوا فيها وذلك حين ظهرت الوثنية وعبادة الأصنام في الجزيرة العربية على يد (عمرو بن لحي). والحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام لقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ). والحج فرض على كل مسلم قادر، لقوله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) والحج لا يجب في العمر إلا مرةً واحدة فقط، حيث تبدأ مناسك الحج في شهر ذي الحجة، بأن يقوم الحاج بالإحرام من مواقيت الحج المحددة، ثم التوجه إلى مكة لعمل طواف القدوم، ومن بعد ذلك التوجه إلى منى لقضاء يوم التروية، ثم التوجه إلى عرفات لقضاء يوم عرفة، بعد ذلك رمي الجمرات في جمرة العقبة الكبرى، ويعود الحاج إلى مكة لعمل طواف الإفاضة، ثم يعود إلى منى لقضاء أيام التشريق، ويعود الحاج مرةً أخرى إلى مكة لعمل طواف الوداع ومغادرة الأماكن المقدسة. ومن فضل الحج... وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم العديد من الأحاديث النبوية عن فضل الحج، ما ورد في سنن الترمذي عن عبدالله بن مسعود أنه قال إن رسول الله قال: (تابعوا بين الحج فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة). ومن منافع الحج العظيمة أيضاً اجتماع عام للمسلمين من شتى أقطار الأرض يكون وراءه جمع كلمتهم ووحدة صفهم وإصلاح ذات بينهم وتقوية أواصر المودة والإخاء فيما بينهم. كما للحج منافع دنيوية منها التجارة ومختلف المكاسب المتعلقة بالحج. ومن أنواع الحج (حج التمتع، حج القِران، حج الإفراد). ومن مواقيت الحج التي حددها النبي محمد صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يحرم لأداء مناسك الحج والعمرة (ذا الحليفة، الجحفة، قرن المنازل، يلملم، ذات عرق، ميقات أهل مكة). إن للحج أجوراً وهبات عظيمة وإننا جميعاً في أمس الحاجة إلى الحسنات ومغفرة الذنوب والسيئات... إذا فلنولِ العزم ونشد الرحال إلى البيت العتيق لاداء أهم ركن من أركان الاسلام. وبما أننا على اعتاب فريضة الحج وفي هذه الأيام الفاضلة الشريفة المحرمة وأيضاً على أعتاب موسم التوبة وغفران الذنوب فلا بد لنا من أن نخلص نياتنا لله سبحانه وتعالى وأن نعلم أن هذه الرحلة هي رحلة تعبد إيمانية خالصة مفادها الطاعة والعبادة على الوجه المشروع الذي أراده الله سبحانه وتعالى عز وجل وأن نتجه بكل نياتنا وأعمالنا وأقوالنا وأفعالنا لله وحده لا شريك له وأن نتجنب استغلال هذه الرحلة الإيمانية التعبدية في أمور أخرى دنيوية تبعدنا عن طاعة الله وتقربنا إلى معصيته.