سأجانب الحقيقة إن قلت بأني أملك معلومات شبه وافية عن مجلس الشورى؛ حتى تلك الجلسات (الانتقائية) التي تذاع بعد صلاة الجمعة على شاشة القناة الأولى لم تنقل الصورة التي يجب أن ترسم في ذهن كل مواطن عنه، وهذا متوقع فهي ترسم جزءاً يسيراً من أعمال المجلس، الذي يشكل وبوضوح ملامح نجاح حضاري كبير. ابتعاد المجلس عن الأضواء أو إبعاده لم يكن إيجابياً - بمعنى أدق- فقد ساهم في اتساع الهوة بينه وبين الآخرين، حتى وإن كان أعضاؤه فاعلين داخل هذا المجتمع الكبير متعدد الشرائح والفئات ولكن هذا ليس كافياً فالقضايا المجتمعية تحتل مكاناً بارزاً على طاولة النقاش في المجلس فالتفاعل مع المجتمع والانفتاح عليه أمر ضروري جداً وخصوصاً في هذا الزمن (العولمي)، ففي ظل الانفتاح الفضائي الكبير أنت أمام خيارين إما أن تتحدث عن نفسك وترسم الصورة الصحيحة التي يجب أن تكون في الأذهان أو أن تترك الحبل على غاربه فتقبل قسراً ما يمليه عليك الآخر لتكرس مفهوم الصورة النمطية السائدة. تلقت «الجزيرة» دعوة كريمة من قبل معالي رئيس مجلس الشورى الشيخ عبدالله بن محمد آل الشيخ، لزيارة المجلس والوقوف عن كثب على جل أركانه واستعداداته، كنت والزملاء من «الجزيرة» ضمن وفد تسنمه سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة الأستاذ خالد المالك لزيارة مجلس الشورى، فكانت «الجزيرة» هي أولى المؤسسات الإعلامية المستضافة منذ أن تسلم معالي الدكتور عبدالله آل الشيخ زمام المجلس، وأشكر لمعالي الرئيس هذه الدعوة من قبله. كانت الساعة تشير إلى العاشرة تماماً عند وصولنا إلى بوابة المجلس، ليستقبلنا الدكتور عبدالرحمن الصغير مدير عام إدارة العلاقات العامة والإعلام، والدكتور محمد المهنا المشرف على إدارة العلاقات بالمجلس، فكانت البداية بالمعرض التاريخي لمجلس الشورى الذي يحكي تاريخه من خلال لوحات جدارية تزينت بالأوامر الملكية السامية منذ عهد الملك عبدالعزيز حتى يومنا هذا، وما يلفت نظر الجائل داخل أروقة المجلس هو الطراز المعماري العالي فلا يخطر ببال من يقع بصره عليه إلا تلك القصور الكلاسيكية الأوروبية من القرون الوسطى إلا أنها ممزوجة بالطابع الإسلامي التراثي، فبالإضافة إلى كونه منعطفاً تاريخياً مهماً في سيرة هذه الدولة هو أيضاً تحفة معمارية جميلة تزين العاصمة الرياض. كان الدكتور الصغير مُهتماً ومُلماً بكل تفاصيل هذا المجلس، فالحماس والبشاشة تكسوان محياه فلم يتوانَ أو يتراخَ للإجابة عن أي سؤال قد يكون مثار اهتمام أي شخص منا بل كان يسابق أسئلتنا بالأجوبة الكافية الشافية، حتى الفلم التوثيقي لمسيرة المجلس، لم يكتف بعرضه فقط فكان يسانده بالتعليق وإيضاح جميع النقاط التي تخص تاريخ هذا المجلس العريق حتى وإن كان ذلك العرض من إعداد وإنتاج إدارة العلاقات العامة التي يتولى زمام الأمور فيها، وما أثلج صدورنا في هذا العرض أنه صُنع بأيدٍ سعودية خالصة دون الاستعانة بأي خبرة أجنبية في إعداده!؛ فأثنى سعادة رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك على هذا العمل مؤكداً بأنه يستحق الدعم والمؤازرة، معجباً بما أنجزته الأيدي السعودية الشابة على كافة الأصعدة التي كانت فيما مضى حكراً على غيرهم، وكما شملت الجولة زيارة للقاعة الكبرى التي تتوق أركانها كل عام إلى خطاب خادم الحرمين الشريفين السنوي، حتى المكتبة الخاصة بالمجلس فلم يخطر بخلدي أنها يمكن أن تحتوي على عشرين ألف عنوان موزعة بين القانون والأنظمة الدولية بالإضافة إلى شروحات متنوعة وضافية للقرآن الكريم دستور المملكة العربية السعودية حسب إفادة المسؤول عنها، وهي بلا شك رافد قوي أساسي لعمل الأعضاء بالمجلس. في ضيافة الجلسة الحادية والخمسين دلفنا إلى القاعة لنعيش أحداث الجلسة الحادية والخمسين حيث كان الدكتور طلال الضاحي يطرح اقتراحاً قدمته لجنة الشؤون الخارجية، وما إن انتهى من سرده، إلا ومداخلات الأعضاء تَنهالُ بين مؤيدٍ ومعارضٍ له من دون أدنى تدخلٍ من الرئيس وبشفافية ووطنية عالية، وبين هذه المداخلات اقتطع معالي الرئيس جزءاً من الوقت - أثناء انعقاد الجلسة - ليرحب بنا بداية برئيس التحرير وانتهاءً بالزملاء من أعضاء مجلس التحرير بالأسماء، لتستكمل الجلسة مشوارها بالتصويت على الاتفاقية الثنائية بين المملكة وقطر التي تقدمت بها لجنة الشؤون الخارجية، كل ذلك كان بأسلوب حضاري راقٍ بعيد عن العشوائية، وما يثير الفضول أثناء انعقاد الجلسة هو الالتزام الدقيق من قبلِ الأعضاء بالوقت المحدد لهم أي لمداخلة كل عضو، وبعد التصويت توقف الجميع ليأخذ الأعضاء قسطاً من الراحة فالتقينا بأعضاء المجلس ودارت بينهم وبين الزملاء نقاشات وحوارات خفيفة، وكان ممن التقيت بهم الأستاذ الفاضل الدكتور راشد بن حمد الكثيري عضو المجلس الذي رحب بزيارتنا وأكد على أهمية التواصل بين الإعلام ومجلس الشورى مؤكداً بأنه حلقة الوصل الأمينة بينه وبين الجمهور. معالي الرئيس يبارك جهود «الجزيرة» في نهاية الزيارة كان معالي رئيس مجلس الشورى الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ في استقبالنا في مكتبه بالمجلس، فاستهل حديثه لرئيس التحرير الأستاذ خالد المالك وللزملاء بالثناء على جهود الجزيرة على الصعيد الإعلامي مؤكداً حياديتها ووضوحها في طرح الآراء التي من شأنها خدمة الوطن والمواطنين ورفع مستوى الوعي بينهم، مشيراً إلى أن «الجزيرة» لا تسعى إلى الإثارة على حساب الحقيقة وأن هذا الأمر هو سبب نجاحها وارتفاع نسبة مقروئيتها بين الجماهير، مبدياً استعداد المجلس لتقديم أي معلومة من شأنها خدمة الصالح العام، ومن جانبه نوه رئيس التحرير بأهمية التعاون بين الصحيفة والمجلس لإشاعة وترسيخ ثقافة الشورى والحوار بين مختلف أطياف المجتمع، مؤكداً استعداد الجزيرة للتعاون مع مجلس الشورى في كل ما من شأنه خدمة هذا الوطن المعطاء. وفي نهاية الزيارة قدم رئيس المجلس درعاً تذكارياً لرئيس التحرير وحقائب توثق سيرة المجلس لأعضاء الوفد، وفي الختام لا يسعني إلا أن أقدم شكري وتقديري لمعالي رئيس مجلس الشورى الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ على حسن الاستقبال، آملاً بأن تكون هذه الزيارة فاتحة خير وجسراً متيناً للتواصل بين مختلف القطاعات الإعلامية ومجلس الشورى.