ازدادت في الوقت الحاضر الحالات المرضية التي لا يكاد يُعرف لها سبب، فمنهم من ينسبها لانتشار الأجهزة الإلكترونية الحديثة ومخاطرها الإشعاعية على الدماغ والحواس الأخرى، ومنهم من يعزوها لضغوط الحياة ومتطلباتها المتسارعة. والحق أن كل الآراء والتكهنات قد تكون صحيحة، إضافة لأسباب أخرى ربما تخفى على بعضنا وقد يعيها، ولكنه لا يتوقف عندها، أو يتجاوزها بسرعة نتيجة للتأثير الاجتماعي الذي يضغط على الفرد ويصنع منه شكلاً متعدداً ضمن قوالب متشابهة. والحق أن إهمال الناس لضرورة النوم ليلاً والاستيقاظ نهاراً، وانسياقهم وراء بعضهم أو حتى مجاملتهم قد يخلق مشكلة صحية بالغة الخطورة، بعد أن أصبحت ظاهرة اجتماعية لا يرى فيها الغالبية العظمى أدنى بأس. وإن كان هناك من تفرض عليهم طبيعة عملهم الاستيقاظ ليلاً والنوم نهاراً، فإنّ المرء يأسى لحالهم ويطالبهم لأجل صحتهم بعدم استمراء ذلك العمل مهما كانت إيجابياته سواء في قلة عدد الساعات أو عدم وجود رقابة إدارية صارمة، أو انعدام العمل والاكتفاء بالحضور والتواجد فيه فحسب! إلا أن ما يؤلم هو استعذاب شبابنا وأطفالنا انتهاج هذا السبيل على الرغم من خطورته، وتغافل أسرهم عنه واكتفائهم بإجبار أبنائهم على أداء الفروض الشرعية والعملية مثل الصلاة أو الذهاب إلى المدرسة، ونومهم حال انصرافهم منها حتى مغيب الشمس. بيْد أنهم قد غفلوا عن النهج الإلهي في هذا السبيل تحقيقاً لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا} (9) سورة النبأ، فالله الرحيم بعباده وضع لهم أسلوباً في الحياة لا يحتمل العبث والتغيير حتى لا يقع الخلل. والخلل في البداية جسدي حيث توجد في الدماغ خلية صغيرة لا تنغلق إلا أثناء النوم ليلاً. وهذه الخلية مسؤولة عن مركز الإدراك واليقظة، فحينما يطفئ المرء الأنوار لينام في الليل عندئذ يستشعر الجسم الظلام فتنغلق تلك الخلية تلقائياً، ومن ثم يستسلم المرء للنوم العميق والراحة، عندها يتحول مركز اليقظة لديه إلى الوضع الخامل الذي يؤدي لإغلاق الخلية. ويسترخي الجسم أثناء النوم استرخاء عضلياً ونفسياً وذلك يحقق شفاءً نفسياً وبدنياً للإنسان. بينما في حالة النوم نهاراً، فعلى الرغم من إسدال الستائر وتهيئة الظلام الدامس، إلا أن هذه الخلية لا تنغلق أبداً، بل تبقى مفتوحة لأن مركز اليقظة يكون بحالة نشطة؛ وهو ما يفسر الشعور بالقلق وعدم استيفاء الراحة التامة بعد الاستيقاظ من نوم النهار فنصحو في حالة نكد وتوتر. وهو ما يجعل المرء يشعر بالآلام وارتفاع في درجة الحرارة ويشكو من الأوجاع المعتادة كالتعب والإرهاق وآلام المفاصل والضيق والتكدر. ولو نأى الإنسان بنفسه عن العبث بجسده من خلال النوم الكافي في الليل وفي وقت باكر، وترك الساعة البيولوجية تقوم بتنظيم وظائف جسمه كإفراز هرمون النمو وهرمون الكورتيزون وغيرهما ابتداءً من شروق الشمس وحتى غروبها نوماً واستيقاظاً، استرخاء ونشاطاً؛ لاستطاع أن يجنب نفسه أضراراً صحية بالغة التأثير على حياته بشكل خاص، وعلى النظام الاجتماعي بوجه عام. rogaia143 @hotmail.Com www.rogaia.net