كيف يقبل الأمير أن يدخل إليه (مطلوب) أمنياً، دون أن يتم تفتيشه؟ هذا السؤال طرحه العديد ممن تابعوا حادثة الاعتداء الإجرامي الشنيع على الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، حفظه الله ووقاه، وحمى بلادنا وقادتنا من كيد الكائدين. ومع أن دافع هذا السؤال هو محبة الأمير والخوف عليه في كثير من الحالات، إلا أن آخرين قد لا يعرفون شخصية الرجل الأبي الشهم..... ....الوفي، الكريم ابن الكرام.. فللوفاء وللعزة شأن عند هذا الرجل حين يتعامل مع الآخر، ولهما شأن خاص حين يتعلق الأمر بالمطلوبين أو الموقوفين في قضايا الفئة الضالة. فعلى الرغم من عظم الجرم الذي اقترفوه، ما كان الأمير، رعاه الله ووقاه، إلا يبادلهم الإساءة بالإحسان، ويمنحهم العفو عند المقدرة. وكان يخص الراغبين في تسليم أنفسهم بتقدير جليل بأن يأتوا إليه (أعزاء) غير ذليلين، ممنوحين العهد، مستبشرا لهم بالتوبة، ومبشراً لهم بالدعم وحسن الرعاية، واعداً إياهم بالوفاء. فكان (يفي) بوعده، ويمنح الثقة (فعلاً) لا قولا وحسب، ويتحمل من المخاطر ما هو أعلم الناس بها، من أجل ألا تضيع (المروءة) في حضرته.. ومن هنا.. كان يقول كثيراً للجنود عمن يناديه من مجلسه، و(ينخاه): اتركوه! ثم يدعوه فوراً بقوله: تعال.. ثم يسأله عن حاجته فيقضيها، كخير ما يقضي بشرٌ حاجةَ بشر. ولكن..، للضّالين سوءات بعضها فوق بعض.. ها هم اليوم يسعون لضياع (المروءة) ف(يكذبون) و(يغدرون) ليحادوا بذلك كل ذوي الأخلاق الإسلامية الرفيعة، وكل أصحاب القيم النبيلة من العرب والعجم. ها هم يعلنونها حرباً مفتوحة مع كل الناس، أن لا عهد لهم ولا ميثاق.. وأنهم أفّاكون كاذبون غدّارون. فاللهم احفظ لنا ولبلادنا دينها، وأمنها، وقادتها، ورد كيد الكائدين إلى نحورهم يا رب العالمين. ثم.. إن في حادثة الاعتداء على أمير الوفاء والعزة، دروساً كثيرة لعل المقام يسمح باستعراض شيء منها. فيبدو أن (الفئة الضالة) قد وصلت إلى حالة من اليأس لم تجد بداً معه من أن تقوم بهذه الأعمال الإجرامية اليائسة، مع رجل تعرف جيداً أنه أحد أهم أركان الوطن في مواجهتها، وتضييق الخناق عليها، ليس بالقوة الأمنية الضاربة التي يقودها الرجل النبيل فقط، ولكن أيضا بما آتاه الله من حكمة ودراية مكنته من المنازلة الفكرية لهم ولأعوانهم، حتى ضاقت بهم الحيلة، وفضح الله جهالتهم للناس، فأسِنت مشاربهم، ونضبت مصادرهم أو أنها كادت تنضب. وبالتالي ففي الحادثة دلائل قطعية على نجاح الأمير في منازلتهم. ثم في الواقعة إشارات مهمة تؤكد، لكل ذي لب رشيد، فساد العقيدة والمنهج الذي تتبناه الفئة الضالة، وأنها بهذه الحادثة لا يمكنها تبرير الحدث ولا تأويله، بغير كونه إفساداً في الأرض، ومحاولة لإهلاك الأنفس المعصومة بغير حق، وعملاً إجرامياً في شهر الصوم. ثم إن اتخاذ هذا الأسلوب الفردي المشين، دليل على نجاح محاصرة الفكر المتطرف، وتضييق الخناق على (الضالين) الذين بات من المؤكد أنهم فقدوا الرابط التنظيمي فيما بينهم وبدت فلولهم تغط في مزيد من التيه الفكري والسلوكي. ومن هنا.. يبدو أن على مجتمعنا الاستعداد العاجل لمواجهة مرحلة جديدة في حربنا على الإرهاب، تقوم هذه المرة، على توظيف جل طاقاتنا الفكرية والتعليمية والتوعوية لتحقيق مزيد بيان لأخطار (الفئة الضالة)، وإدانتها بشنيع (أفعالها) وتجلية الموقف للناس. كل فعالياتنا الثقافية والاجتماعية اليوم مسؤولة مسؤولية كبرى لضمان سلامتنا وحمايتنا بإذن الله تعالى: للمساجد دور عظيم لا بد أن تقوم به في توضيح فكر الخوارج للناس، وما يقود إليه هذا الفكر من مخاطر جمة على الأمن الاجتماعي والأمن الوطني، وما يقود إليه من الإضرار بالأنفس والممتلكات، وما يحدثه من إعاقة كبرى لعمليات التنمية الشاملة التي نحاول دوما أن نحققها بأعلى المستويات في بلادنا. ثم، من بعد المساجد، تأتي مؤسسات التعليم، والأسرة، ووسائل الإعلام، لكن.. أربعة عشر ألف مسجد جامع في الوطن أو تزيد، يمكنها أن تحدث في مجتمعنا المحافظ ما لا يمكن لأي وسائل معاصرة أن تقوم به، لأن للمساجد عندنا مكانة وقيمة لا توازيها وسائل أخرى، ولعلمائنا عندما يتحدثون في المساجد آذان تسمع وتطيع من حولهم. فلنحم أيها الأفاضل حياضنا، ولنؤد أمانتنا في حفظ ضروراتنا الخمس، كأجلّ عمل يحتاجه المسلمون اليوم.. أما أنتم أيها التائبون المراجعون لأنفسكم ممن ضلت بهم الليالي والأيام حينا من الدهر.. فإني أجزم، لما أعرفه عن الأمير الرجل، أن هذه الأحداث لن تغير، أبدا، من سلوكه النبيل.. ولن تُنقص من مخزون الوفاء عنده.. فالأمر، بالنسبة لسموه محسوم، أن لا تزر وازرة وزر أخرى. فاطمئنوا أيها التائبون، ممن عرفوا حقائق الضالين وفعالهم، وأقبِلوا على الأمير مسالمين.. فسيمنحكم من العزة ما هو أهله، وسيقابلكم بالوفاء.. وسيناديكم.. أن تعالوا.. وسيسأل عن حاجاتكم.. وسيقضيها لكم.. (مرة أخرى): كأفضل ما يقضي بشرٌ حاجة بشر. [email protected]