لقد كان الأمن ولازال الهاجس الكبير الذي يبحث الإنسان عن سبل تحقيقه وتتنافس الدول على توفيره لشعوبها, وبتعدُّد مصادر تهديد هذا الأمن تعدّدت تخصصات الأمن وفروعه، وأصبح الأمن علماً منفرداً بذاته تخصص لها الميزانيات والبحوث والقوى البشرية والمادية والمعنوية. من ضمن هذه التهديدات التي تحاصر المجتمع. كان هناك تهديد فكر المجتمع ويكون ذلك بتهديد ثقافة المجتمع وسلوكياته وأعرافه، وذلك بتسليط أفكار أو معتقدات دخيلة على هذه المجتمعات بغية تدميره وانحلاله فكرياً وسلوكياً. ولذلك برزت أهمية حماية الأمن الفكري للمجتمع، وذلك بتحصينه من أي أفكار أو سلوكيات هدامة أو مضللة، ووضع هذا الفكر وما يمثله من سلوك نفسي وظاهري في دائرة الأمان. مما لا شك فيه أنّ مفهوم الأمن بشكل عام يلعب دوراً مهماً في حياة الشعوب والدول، فهو يمثل الحماية والنظام وهيبة الدولة في الداخل والخارج, ويوحي بالحياة الرغيدة وبالتنمية والتطور. والأمن في مفهومه الواسع ومن منظور الدولة هو (أي تصرفات يسعى إليها المجتمع للتعرف على مصادر التهديد ومواجهتها لتوفير الحماية للتطور والتنمية في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية). ولمّا كان الأمن الوطني بمفهومه الواسع هو توفير الحماية للتطور والتنمية بكافة أنواعها, فإنّ الأمن يتخصص في توفير الحماية لمجال من مجالات التنمية, وبحسب ذلك فإنّ الأمن الفكري يوفر الحماية للفكر بمواجهة مصادر التهديد المحيطة بالفكر. وبحسب ما تقدم، فإننا يمكن أن نعرف الأمن الفكري بأنه (إجراءات أو تصرفات سابقة أو لاحقة يسعى إليها المجتمع للتعرف على مصادر تهديد الفكر المختلفة للإعداد لها ومواجهتها وتوفير الحماية لكل ما يتعلق به الفكر من سلوك وأفكار وتوجيهه الوجهة الصحيحة والآمنة). وتتحقق هذه الحماية بالتعرف على مصادر تهديد الفكر ومواجهتها والقضاء عليها بتوفير حماية مسبقة ضد هذه المصادر والتهديدات. وتتنوّع هذه التهديدات بتنوُّع مصدرها، فمنها الغزو الثقافي أو الغزو الفكري والمتمثل في العديد من الأشياء من وسائل البث المباشر كالفضائيات، وما تبثه من مواد إعلامية من أفلام وبرامج تهدف إلى السيطرة على خاصية من خصائص المجتمع وزعزعتها وإضعافها. ومن مصادر تهديد الأمن الفكري, الأفكار المتشددة المنحرفة التي ينتهجها فئة ضالة تهدف إلى السيطرة على عقول قليلي الحيلة ممن لم يتحصنوا بالأفكار والمعلومات الصحيحة لنبذ أفكارهم ومعتقداتهم. ومن الملاحظ أيضاً أنّ هذه التهديدات الفكرية المنحرفة لا تستهدف سمة مجتمعية فحسب, بل تستهدف فئة عمرية بحد ذاتها وهم الشباب وصغار السن. يحظى مفهوم الأمن الفكري بأهمية بالغة، وقد شاع استخدامه حديثاً في علوم مثل السياسة والإعلام والتربية، لارتباطه بمصطلح الأمن بمعناه الشامل. ولعلّ أكبر دلالة على مفهوم الأمن ما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}. ونتيجة لذلك فإنّ الأمن هو مواجهة الخوف، والمقصود به هنا ما يهدد المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وفكرياً وإعلامياً .. وبشكل عام فإنّ مفهوم الأمن الفكري يشمل توصيف المهددات والأخطار والمصادر والأسباب التي تؤدي؛ أو يمكن أن تؤدي إلى هز القناعات الفكرية أو الثوابت العقدية والمقوم الأخلاقي والاجتماعي والديني للأمن الوطني، والسياسات العامة والإجراءات والنشاطات المطلوبة لحماية المنظومة العقدية والأخلاقية والقيمية من كل فكر شاذ أو منحرف أو متطرف أو معتقد خاطئ، ومواجهة ذلك بكل السبل والوسائل. وكان صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية أو من نبّه لأهمية الأمن الفكري وحذّر من خطورة الفكر المنحرف في اجتماعات وزراء الداخلية العرب. ودعا سموه في مناسبات كثيرة إلى وضع الخطط لحفظ الفكر السليم والمعتقدات والقيم والتقاليد الكريمة. وهذه الدعوة تمثل بعداً إستراتيجياً للأمن الفكري إلذي يعتبر أحد أساسيات الأمن الوطني، لأنه مرتبط بهوية الأمة واستقرار قيمها التي تدعو إلى أمن الأفراد وأمن الوطن والترابط والتواصل الاجتماعي، ومواجهة كل ما يهدد تلك الهوية وتبني أفكار هدامة تنعكس سلباً على جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لأنّ الهوية تمثل ثوابت الأمة من قيم ومعتقدات وعادات، وهذا ما يحرص الأعداء على مهاجمته لتحقيق أهدافهم العدوانية والترويج لأفكارهم الهدامة وخاصة بين شريحة الشباب، والتشويش على أفكارهم ودعوتهم للتطرف. والأمن الفكري بمفهومه المعاصر يتعدّى ذلك ليكون من الضروريات الأمنية لحماية المكتسبات والوقوف بحزم ضد كل ما يؤدي إلى الإخلال بالأمن، والذي سينعكس حتماً على الجوانب الأمنية الأخرى خاصة الجنائية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية. أنّ الوقوف بقوة في وجه مصادر الغزو الفكري المنحرف والمتطرف يمثل ركيزة أساسية لتحقيق الأمن الفكري .. فقد ذكر مقولة الملك الفرنسي لويس التاسع، الشهيرة عندما أطلق سراحه مقابل الفدية في مصر، (تكسرت الرماح والسيوف، فلنبدأ حرب الكلمة). وقول صاحب السمو الملكي الأمير نايف إنّ (الفكر لا يواجه إلاّ بفكر). إنّ الأمن الفكري مسألة معقّدة وشائكة لارتباطه بعوامل ومتغيّرات كثيرة قد يصعب السيطرة عليها، والإعلام أحد أهم هذه المتغيرات لأنه يعتبر السلاح الأقوى في معركة الأفكار لكسب الرأي العام. والإعلام كما يعرف بأنه التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير وميولها واتجاهاتها في نفس الوقت. لهذا يعتبر دور الإعلام في الأمن الفكري كبيراً وحيوياً، فالإعلام أصبح يسيطر على الساحة إعلامياً وهو الذي ينقل الأفكار ويئدها في ذات الوقت، وإذا كان الإعلام ينقل الأفكار الحسنة فلا مشكلة في ذلك، ولكن المشكلة تكمن في نقل الأفكار المدمرة بأي شكل من الأشكال سواء كان تدميراً فكرياً أو سلوكياً، مشيراً إلى أنّ الدور الذي ينبغي أن تقوم به المؤسسات الإعلامية في الأمن الفكري هو التعريف بالفكر الصحيح الذي يوجه الشباب التوجيه السليم الذي يخدم بلادهم وفضح الفكر المتطرف الذي يتوغل إلى نفوس الناشئة، وخاصة إذ لبس هذا الفكر لبوس الدين وجعلهم ينحرفون عن المسار السليم وعن الفكر الديني الصحيح إلى الفكر المنحرف. ف(الفكر المتطرف والمنحرف لا يكون واضحاً لكل أحد، وفي كل وقت، إذ لا يملك ذلك إلا المؤهلون القادرون على ذلك. إذن لا بد من رسم إستراتيجية واضحة وقوية لتنمية ودعم الأمن الفكري لتتحقق طموحات الدولة في توفير الأمن، والمسارعة في وضع الإجراءات الوقائية، ومتابعة المتغيرات والصراعات الخارجية إقليمياً وعالمياً مصحوبة بالجاهزية والاستعداد لعلاج المشاكل والأزمات التي تهدد الأمن الوطني. ولذلك فإنّ الحاجة للأمن الفكري تزداد وتستوجب الاهتمام لهذا كان الاهتمام من سموه بدعم الدراسات والبحوث الخاصة بالأمن الفكري والتي توّجت بإنشاء كرسي سموه للأمن الفكري بجامعة الملك سعود. هذا الكرسي أصبح قاعدة علمية لدعم بحوث ودراسات الأمن الفكري وتنظيم الفعاليات والمؤتمرات، والتي بدأت بالمؤتمر الأول للأمن الفكري (المفاهيم والتحديات) الذي ينظمه كرسي سموه لدراسات الأمن الفكري بجامعة الملك سعود في الفترة 22-25 جمادى الآخرة 1430ه. وهذا المؤتمر الذي حضره عدد من الباحثين من مختلف دول العالم من كندا ومصر والأردن وماليزيا والمملكة وغيرها تم الإعلان عن عدد من المبادئ أكدت على أنّ المجتمعات المعاصرة تعاني دون استثناء من ظواهر الغلو والتطرف والإرهاب، كما تضمّنت المبادئ أنّ الإسلام دين السلامة والاستقامة، وأنّ التطرف والغلو يهدد الضرورات الخمس، كما أجمع المشاركون على مبدأ أنّ السعي لنشر مفهوم الأمن الفكري وترسيخه لا يتنافى مع حق الإنسان في التفكير، وأنّ الجهد الأمني ليس كافياً وحده للحد من ظواهر الانحراف في الفكر، وأنّ إشاعة الفكر الآمن عامل أساسي لتعزيز الوحدة الوطنية. وفي نهاية المؤتمر اتفق المشاركون على عدد من البرامج والإستراتيجيات أهمها: أولاً: التوسع في دراسة نظرية الأمن الفكري في الإسلام والعمل على إيجاد وصف منهجي دقيق لمفهوم شامل للأمن الفكري يحد من سوء الفهم. ثانياً: أن يتبنّي (كرسي الأمير نايف بن عبد العزيز لدراسات الأمن الفكري) مشروعاً لبناء المفاهيم في ضوء الإسلام، باعتبار أن ضبط المفاهيم والمصطلحات وتحديدها طريق لتحقيق الأمن الفكري، وذلك عبر حصر المفاهيم الرئيسة والألفاظ الشرعية والمصطلحات العلمية ذات الصلة بالفكر من مثل (الوسطية والحرية) أو الألفاظ الشرعية ممن مثل (الجهاد، الولاء والبراء) أو المصطلحات العلمية من مثل: (دار الكفر، ودار الإسلام) وجمع الدراسات المتعلقة بالمفاهيم على اختلاف توجهات أصحابها لمعرفة أوجه تأثيرها على الفكر، ودراستها في ضوء تطورها التاريخي وأصولها الدينية والفلسفية والفكرية، والبناء العلمي الرشيد لتلك المفاهيم والتحديد لمعاني الألفاظ الشرعية المصطلحات العلمية تحديداً علمياً يسد أبواب سوء الفهم. ثالثاً: تشجيع ودعم البحوث والدراسات في مجال الأمن الفكري وترسيخ مقومات الفكر الأمن على أن يتم ذلك في ضوء معايير وضوابط تأخذ في الاعتبار التأكيد على البحث عن العوامل الجوهرية المعززة والمهددة للأمن الفكري بمراعاة العوامل الثقافية والاجتماعية والإعلامية والاقتصادية والسياسية وتحديد مقومات ومتطلبات الفكر الآمن وعوامل ترسيخه ونشره بين شرائح المجتمع، والتعرف على مصادر ومناهج الفكر المنحرف: أسباب الانتشار والانجذاب والعزوف والانحسار - المحاذير والمخاطر - سبل الحد من جاذبتيه - التحصين والحصانة للإيجابي والسلبي من الأفكار، والبحث في توفير مداخل نظرية لفهم ظاهرة الغلو والتكفير والتطرف لمفهومه الشامل والإرهاب كانحرافات فكرية يتم مراعاتها كركائز أساسية لصياغة أي إستراتيجية. رابعاً: السعي لنشر فقه الائتلاف وفقه الاختلاف والتبصير به كسنة اجتماعية في حياة الأمم والشعوب عبر تطبيق الآليات التالية: عقد حلقات نقاش وورش عمل تدريبية خاصة بالطلاب والطالبات في مستويات التعليم المختلفة، وإعداد وتنفيذ محاضرات وندوات وتفعيل دور المذياع والتلفاز والوسائط الإلكترونية. خامساً: التوظيف الأمثل لوسائل الإعلام واستثمار وسائل الإعلام الجديدة لنشر الفكر الآمن، والتحذير من الفكر المنحرف على أن تأخذ في الاعتبار مراعاة ضوابط العمل الإعلامي ووسائله وتقنياته بما يخدم سلامة النشأة الفكرية لأبناء البلاد وحمايتهم من التأثيرات السلبية للفكر المنحرف بمختلف أشكاله. وضبط وتقنين الإعلام الترفيهي ليسهم في بناء عقل سليم لا تسطيح فيه ولا تهميش. والتأكيد على تبني آليات فعالة في التأصيل لثقافة الحوار البنّاء والجدل بالحسنى وإيجابيات ومتطلّبات الانفتاح، والتفاعل الرشيد مع الثقافات المختلفة. والاستفادة من وسائل الإعلام الجديدة في نشر فكر الاعتدال وتأسيس مواقع تفاعلية في الجامعات والمؤسسات التربوية يقوم عليها مختصون تخاطب الشباب وتبني أفكارهم على أسس سليمة وتعالج ما يطرأ من أفكار خاطئة. سادساً: تشجيع ودعم تنفيذ دراسات تطبيقية لاستكشاف كافة المجالات المحتملة لسد كل الذرائع المفضية للتورط في الانحراف على مستوى الفكر أو السلوك، مع الأخذ في الاعتبار العناية بفتح المجال للتعبير المتزن عن الأفكار وحرية التعبير في ضوء أحكام الشرع وضوابطه، والاهتمام بقضاء حاجات الناس، وتوفير الحلول المناسبة والعاجلة لمشاكلهم، وتطوير وسائل الكشف عن أوجه القصور في المرافق والمؤسسات العامة ومحاسبة المتسببين في ذلك، وتحسين الأوضاع الأسرية والتربوية والاقتصادية والإعلامية والترفيهية. سابعاً: ضرورة التنسيق بين جهود كافة هيئات ومصالح ومؤسسات المجتمع المدني في مجال الأمن الفكري مع الأخذ بعين الاعتبار: تولي كرسي الأمير نايف لدراسة الأمن الفكري مهمة التنسيق للمناشط ذات الصلة برؤية الكرسي ورسالته وأهدافه، وإشراك الكرسي في تنظيم لقاءات دورية لمناقشة الجهود الفكرية وتنسيق المناشط في المرحلة الحالية لضمان اتساق الجهود الفكرية وفق الرؤية والإستراتيجية الوطنية. ثامناً: التوكيد على ضرورة استمرار كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز لدراسات الأمن الفكري في جهوده العلمية لبناء إستراتيجية لتحقيق الأمن الفكري وفق المناهج العلمية. تاسعاً: تشجيع تنفيذ دراسات وأبحاث تهدف بناء أدوات لتشخيص وقياس لظواهر الغلو والتكفير والإرهاب على أن تأخذ في الاعتبار: ملاءمة أدوات التشخيص والقياس للشرائح المستهدفة، والكشف المبكر عن مظاهر وأسباب الغلو والتشدد. عاشراً: تعزيز الاتجاهات الإيجابية وإكساب المهارات اللازمة في مجال الأمن الفكري على أن يتضمن ذلك تحديد أفضل الوسائل والطرق لتعزيز الاتجاهات الإيجابية وإكساب المهارات لترسيخ مقومات الأمن الفكري لدى المعلمين والمربين، وتحديد أفضل الوسائل والطرق لتنمية الوعي وإكساب المهارات اللازمة لتحسين تعاطي رجال الأمن مع مسائل ووقائع الأمن الفكري. حادي عشر: الدعوة لبناء مرصد علمي متكامل يرصد ما يتعرّض للأمن الفكري بالإخلال، ويستطلع الظواهر الفكرية: طبيعتها وتأثيراتها وذلك من خلال الآليات التالي: رصد الشبهات المطروحة وجمعها، ووضع الإجراءات العلمية الكفيلة بالرد عليها، ودراسة الظواهر الفكرية الشاذة والغريبة على المجتمع أياً كانت طبيعتها، وأياً كان مصدرها، دراسة تراكمية تبتدئ من أول نشوء تلك الظواهر، ورصد المداخل العلمية والمنهجية والإعلامية التي يلج الانحراف الفكري من خلالها وصولاً إلى المقترحات حيالها، وتأسيس قاعدة معلومات مختلف مصادر المعلومات حول التعامل مع الفكر بالفكر، ووضع آلية للتواصل بين الجامعات ومراكز التدريب والمؤسسات الفكرية والعلمية، ومواقع الشبكة العالمية، ودراسة الارتباط بين التحولات والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وظواهر الانحراف، ودراسة مظاهر التعاطف مع الأفكار الضالة وأسباب ذلك. ووضع برامج لاستطلاع الرأي، ومقاييس علمية توضح التأثر والتأثير في المجتمع حيال الأفكار الضالة. ثاني عشر - التأكيد على دور وأهمية الأمن الفكري ضمن منظومة الأمن الشامل للحفاظ على وحدة وتماسك المجتمع وتنمية الوطن. لا شك أن لا شكل، أو وجهة محددة، للأفكار المتطرفة والهدامة يمكن أن يحملها أفراد أو جماعات تروّج للأكاذيب والادعاءات الباطلة للنّيل من ثوابت الوطن، وزعزعة الأمن والاستقرار، والإضرار بالاقتصاد والمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية. وأنّ مصادر تهديد الأمن الفكري متعددة وتأتي أحياناً كثيرة من جماعات التطرف والتشدد الفكري، ومثيري الفتن ودعاة الفرقة التي تمول من خارج الوطن لتحقيق أهداف سياسية معادية للمملكة، لهذا أصدر المؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري البرامج والإستراتيجيات السابق ذكرها والتي ينبغي تفعيلها. ولما كانت الرقابة الأمنية أو الضوابط والقيود على ما تقوم بعرضه وبثه تلك الجماعات من خلال البث الإعلامي والإنترنت وغيرهما من الوسائل من الصعوبة بمكان نظراً لما يسمّى بالعولمة وعصر تدفق المعلومات بكثافة، فقد أصبح اللجوء إلى إستراتيجية اجتماعية متكاملة أمراً ملحاً للمساهمة في الحفاظ على عقول الشباب وغيرهم من الغزو الفكري وتحصينهم ثقافياً من خلال المعلومات الصحيحة التي تزيد الوعي الأمني والثقافي، وذلك لإبعادهم عن الوقوع في الجريمة والخروج على الأنظمة والقيم والعادات والتعاليم الدينية السليمة. الأمن الفكري ليس فقط مسؤولية السلطات المعنية بالأمن الوطني إنما أيضاً المؤسسات الاجتماعية والتربوية بكل أنواعها، سواء التعليمية أو الثقافية أو الدينية التي سيكون لها، من المؤكد، دور فعّال وحيوي في المساهمة في تحقيق أعلى مستويات الأمن الفكري. وبشكل أدق نشير هنا إلى دور الأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد، يضاف إلى ذلك وسائل الإعلام بكل أنواعها والتي تنطلق من المجتمع. ويتمثل هذا الدور بالدرجة الأولى في نشر الوعي الأمني الفكري، وتنمية العلاقات بين رجال الأمن والمواطنين، ورفع معنويات رجال الأمن مما يعمق الشعور بالانتماء لهذا الوطن، وتبصير الجميع بالنتائج الوخيمة للجريمة وخطرها على المجتمع. إنّ العملية التعليمية والتوجيه الأسري، بالإضافة إلى دور المسجد مع وسائل الإعلام، كل هذه العناصر تسير في خط متواز لدفع الأفراد إلى اتجاهات فكرية سليمة ورشيدة وصحية تنتج سلوكاً سوياً يؤدي إلى إقامة علاقات إيجابية تعينهم على مواجهة الأفكار الهدامة والعيش بأمان وسلام. ولأنّ الأمن الفكري هو إحساس المجتمع بأنّ منظومته الفكرية ونظامه الأخلاقي الذي يرتب العلاقات بين أفراده داخل المجتمع ليسا في موضع تهديد من فكر متطرف وافد. وأن من الخطأ الاعتقاد بأنّ دور المؤسسات التعليمية على سبيل المثال يتوقف فقط عند التعليم بمعناه التقليدي (القراءة والكتابة) كما يشير البعض. بل إنّ دور هذه المؤسسات يزداد أهمية في كل المراحل خاصة المتوسطة والثانوية نظراً للتطور العمري الذي يمر به الطالب وتحديداً من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب من أجل تحصين الفكر والعقل ضد حملات التشوية المتعمدة من أطراف خارجية لها أجندتها الخاصة والمعروفة بعدائها وحقدها على الإسلام والمسلمين بصفه عامة والمملكة بصفه خاصة. والحمد لله وضعت دولتنا الرشيدة (بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وسمو ولي عهده وسمو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية حفظهم الله) الخطط الإستراتيجية للارتقاء بالأمن الفكري للمواطنين من خلال دعم الجهود والإجراءات والبرامج الوقائية لحفظ فكر أبنائنا وعقولهم من كل فكر دخيل ومتطرف ومنغلق. أستاذ وسائل الاتصال بجامعة أم القرى