يذكر (سنايدر 2003) أن افتقاد التخطيط الاستراتيجي، وعدم تهيئة الميدان التربوي لأهداف الإصلاح والتطوير التربوي، وعدم إجراء الدراسات التحليلية للواقع التربوي، وعدم القدرة على تحديد التعقيدات التربوية والمشكلات الناتجة عنها، عوامل تؤدي إلى أن النظم التربوية غالباً ما تواجه نواتج مغايره لأهدافها، وبالتالي دخولها في أزمات حادة يصعب عليها مواجهتها والسيطرة عليها. هذه الأزمات الحادة التي يتحدث عنها (سنايدر) هي أحد التحديات التي تواجه مسيرة تطوير التعليم العام في بلادنا، ولنا كل الأمل فيمن منحتهم قيادتنا الرشيدة الثقة والمسؤولية لقيادة التعليم بأن ينطلق ركب التطوير وفق تطلعات ورؤية قيادتنا الرشيدة، وأن نتجاوز عقدة تكرار الأخطاء وعقم المعالجات. ونحن على مشارف نهضة تعليمية وثابة نثق في أن قياداتنا التربوية تحرص كل الحرص على تلمس هموم التربية وقضاياها برؤية حكيمة عميقة شاملة وذات إيقاع تطويري سريع، فخير البر عاجله، والمبادرة سمة الريادة. وإسهاماً منا في ذلك الاتجاه بجهد متواضع رأينا أن نرسل مجموعة من البرقيات العاجلة إلى وزارة التربية والتعليم يمكن إجمالها في أربع: البرقية الأولى: (نحن أعلم بشؤون مدارسنا) فوزارة التربية والتعليم هي أكثر المؤسسات التثقيفية في المملكة التي تحظى بشريحة كبيرة من المبدعين والمتميزين في مجالات متعددة، فهي الممول الرئيس لكل الوزارات الأخرى في كل المجالات التثقيفية تقريباً، فليست مشكلتنا في وزارة التربية هي في الافتقار للخبرات بل في آلية الاختيار، ولذا فلا بد من معيارية صادقة نستخلص من خلالها القيادات النوعية المنتجة والخبرات المتميزة من الوسط التربوي الكبير، مع التأكيد على أهمية تطعيم الوزارة ببعض الخبرات المتفردة من مؤسسات التعليم العالي عند الحاجة، والبعد عن الانطباعية والشكلية في اختيار القيادات التربوية وتقويمها، ووضع المعايير التقويمية التي تسمح للوزارة بتطبيق قاعدة الاختيار للأفضل والبقاء للأصلح. البرقية الثانية: (لا تسرع فأنا مستعجل) إن عامل الزمن حاسم في عملية التطوير، واختصاره غير المخل مطلب، غير أن إغفاله في إنضاج المشروعات واكتمالها قد يكون مدمراً، فلا بد من تهيئة المجتمع وإعداده لتقبل التطوير، والتحقق التام من تحجيم سلبيات تطبيق أي مشروع أو برنامج جديد إلى أدنى حدّ ممكن قبل تعميمه. إننا في أمس الحاجة لاغتنام الوقت والتطوير غير أن العجلة غير المدروسة سوف تقودنا إلى مزيد من التأخير. كما أن ترتيب أولوياتنا وفق منهجية علمية لتطوير عناصر المنظومة التعليمية في ظل المتغيرات المتسارعة ركيزة أساسية لنجاح مشروعات التطوير، ولنبدأ بالأهم، فالتجهيزات التقنية المتطورة مطلب أساس، لكنها لن تسبق بأي حال من الأحول صناعة المعلم الكفء، والمرشد الطلابي الكفء، والمشرف الكفء، والمدير الكفء. كما أن الأنشطة الصفية ضرورة حتمية غير أنها تأتي تَبَعاً لتطوير المنهج المدرسي.. وهكذا، وقديماً قيل: لا تتوقع الشفاء إذا كنت تعالج الجرح والرأس مقطوع. البرقية الثالثة: (نتطور دون توقف) فبالرغم من ضخامة الإرث الذي ينوء به كاهل القيادة الجديدة لوزارة التربية والتعليم، وبالرغم من كثرة المثبطات، وتنوع الأزمات التي تعيشها الوزارة إلاّ أننا ندرك أن حسناتنا أكثر بكثير من عثراتنا، وقدرتنا على التطور مطمئنة، لذا فإن التوقف عن مسيرة التطوير بحجة الإصلاح خطأ منهجي فادح، فالتطوير في ذاته إصلاح، والتوقف من شأنه الإعاقة والتخلف، والمقصد هو تحقيق الأهداف وليس تتبع العثرات، ولذا ينبغي أن تسير قافلة التطوير دون تأجيل أو تسويف فعجلة الإبداع تسير، ونهر الأفكار يتجدد، والعالم كله يتغير بشكل سريع لا ينتظر فيه المتباطئ والكسول، ولا يقبل عذر المتردد و الخجول، بل يتطلب سرعة عالية وتواصلاً إيجابياً فاعلاً، ومجازفة في صناعة القرارات الريادية، ومتابعة آنية للأحداث والمستجدات، واستباقاً للتطلعات والتوقعات. البرقية الرابعة: (استيراد التربية) فبالرغم من أهمية الاستفادة من (الشركات التربوية العالمية) في مجال التربية والتعليم إلاّ أن ارتباط التربية بثقافة المجتمع وهويته تفرض قيوداً ضابطة لمنهجية التعامل مع هذه الشركات العالمية، والتجارب المجاورة تؤكد على أن تعميد الشركات العالمية في تطوير التربية كانت له آثاره السلبية التي اختفت من جرائها ايجابياته، ودعونا نتساءل ما الذي سوف تقدمه الشركة العالمية للتربية في ظل اختلاف الثقافة، والنظام التعليمي والبيئة المجتمعية، والأسس الفلسفية، وتباين الاحتياجات والأولويات للأفراد والمجتمعات؟ وتشير التجارب الواقعية أن الشركات العالمية في مجال التربية والتعليم بشكل خاص ينتهي بها المطاف إلى توظيف كفاءات محلية أو عربية وفق آلية عمل عالمية، ولذا فلماذا لا يكون استعانتنا بالخبرات الدولية في الآليات والمصادر والتقنيات والتدريب لتطوير فرق العمل المحلية وبالتالي يتحقق لنا هدفان كبيران، الأول توطين الخبرة العالمية لتكون خبرة محلية، والثاني الحصول على منتج محلي بمعايير عالمية. إننا ندرك ضخامة المسؤولية وسعة مساحة العمل وتشعب مسارات التطوير، غير أن ثقة قيادتنا الرشيدة فيمن تولوا مسؤولية هذا الجهاز الكبير سوف تقود التعليم - بإذن الله - إلى العالمية، وتجعل التنمية البشرية الاستثمار الأفضل والأمثل في هذه البلاد الكريمة التي أكرمها الله بثروات متنوعة مادية وبشرية تشكل الركيزة الأساسية لكل مجتمع ينشد النهوض و ويتطلع إلى تضييق الهوة بينه وبين المجتمعات والدول الرائدة في مجال العلم والفكر والتقنية، مجتمعات المعرفة، وعلى قمة هرم ثرواتنا التي نفخر بها وتعززنا دائماً الشريعة الإسلامية الخالدة. ثم القيادة الحكيمة المتبصرة. [email protected]