أقول: (ما أحلى الجوف) بعد زيارة استغرقت ثلاثة أيام قضيتها برفقة نخبة من الفضلاء من المسؤولين وكبار المدعوين لندوة: (الأزمة المالية العالمية، وتداعياتها المحلية) التي أقامها منتدى الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية.. ففي تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأربعاء 2811 1429ه الموافق 26112008م وصل وفد المشاركين والمدعوين للندوة إلى مطار الجوف، وكان الجو بفضل الله جميلاً جداً، وزرقة السماء الصافية تعانق رمال المنطقة ومرتفعاتها وقورها الشامخة التي تنبيك عوامل التعرية على جنباتها بعراقة التاريخ، وتحكي أسرار الحضارات التي عاشتها المنطقة منذ سبعة آلاف سنة على الأقل. وبعد وصولنا إلى أرض المطار انتقلنا مباشرة إلى مركز أبحاث الإبل والمراعي بالجوف، وهناك شاهدنا بعض نشاطات هذا المركز في مجال تنمية الثروات الحيوانية والنباتية الصحراوية، وتحسين إنتاجيتها والمحافظة عليها، فرأينا كيف أمكن تحسين نسل الإبل وتطويعها لتتعامل مع آلات الحلب الآلية الحديثة. كما رأينا تجارب العاملين في المركز لاستنبات الأشجار الصحراوية الطبيعية التي كاد معظمها أن ينقرض بسبب الرعي الجائر والاحتطاب غير المنظم.. فاستزرعت أنواع كثيرة مثل الغضا والأرطي والرمث والحاذ والعجرم وغيرها. بعد ذلك توجهنا إلى المقر المعد لإقامة الضيوف وهو فندق النزل بسكاكا، ذلك الفندق أو المنتجع المستوحى من تاريخنا وتراثنا الأصيل، تزين بهوه عذوق بلح حلوة الجوف بلونها الأحمر القاني وطعمها المميز.. وقبيل المغرب قام أعضاء الوفد بزيارة مقر مؤسسة الأمير عبدالرحمن السديري الخيرية على بعد خطوات من فندق النزل، وتجولوا في جنبات المركز، وتوقفوا عند المكتبة العامة التي تعد من أقدم المكتبات العامة في المملكة العربية السعودية، إن لم تكن أقدمها، إذ أنشأها الراحل عام 1383ه لخدمة أبناء المنطقة. وبعد صلاة المغرب انتقل الجميع إلى قاعة المحاضرات الثقافية بالمؤسسة لتبدأ حفلة تكريم ضيف المنتدى وهو سعادة د. فيصل بن صفوق البشير في حفل أنيق وشيق ومرتب. وفي صباح يوم الخميس افتتحت فعاليات المنتدى التي قدم فيها عدد من الأوراق القيمة.. وبعد صلاة الظهر تحرك الجميع بالحافلات المخصصة لتنقلات المدعوين، وكانت الوجهة إلى دومة الجندل لزيارة آثار الدومة العريقة، ولتناول طعام الغذاء على حافة بحيرة دومة الجندل بدعوة كريمة من سعادة الأستاذ أحمد بن عبدالله آل الشيخ وكيل إمارة المنطقة، ثم تحركت حافلات الوفد بعد ذلك في طريقها إلى منطقة البسيطاء الزراعية، مع التوقف بعد المغرب في منطقة برية في جلسة على رمال الغضا الجميلة في بيت من الشعر المزين بمفارش الصوف المصنوع محلياً بألوانه الجذابة، تتوسطه نار الغضا والسمر.. وقد تخلل تلك الاستراحة لمحات وفقرات من الفلكلور المحلي للمنطقة والعرضات الشعبية الجميلة.. وبعدها غادر الضيوف المكان متوجهين إلى مقر الشركة الوطنية في منطقة البسيطاء للعشاء والمبيت هناك، حيث أمضوا ليلة جميلة في ضيافة الشركة، ثم استيقظوا في الصباح لنتناول طعام الإفطار باكراً استعداداً للجولة الميدانية التي اطلع فيها الضيوف على الكثير من نشاطات الشركة الوطنية في المجال الزراعي والغذائي ضمن مشاريعها العملاقة لتحقيق الأمن الغذائي، وقام الوفد بجولة على مشاريع زراعة الزيتون، ومشاريع زراعة الفواكه، ثم مشاريع تطوير الإنتاج الحيواني، وهي مشاريع جبارة وطموحة تقوم على أحدث الأساليب والأسس العلمية، يديرها شباب سعوديون متحمسون لعملهم وعلى رأسهم سعادة الأستاذ إبراهيم أبو عباة. وبعد صلاة الجمعة مباشرة انتقل الجميع إلى مقر شركة الجوف الزراعية حيث قام أعضاء الوفد بجولة سريعة على بعض المشاريع الزراعية، ثم الانتقال إلى المقر المعد لتناول طعام الغداء في ضيافة الشركة التي استقبل مسؤولوها أعضاء الوفد بكل حفاوة وتكريم.. وبعد الغداء غادر الضيوف المنطقة متوجهين إلى مطار الجوف في رحلة استغرقت نحو ساعتين ونصف استغلها الأعضاء في نقاشات علمية وفكرية حادة؛ جعلتهم يحولون ظهور الحافلات إلى قاعات ثقافية، مما ساعد في الاستمتاع بالرحلة وعدم الإحساس بالمسافة، ثم استقلوا الطائرة عائدين إلى الرياض ولسان حالهم يقول: ما أحلى الجوف!