كم إنسان يخدع بمعسول القول والكلام حتى اذا ما ابحت له بسرك وبخبيئة امرك عن عدو مثلاً حتى اذا ما عرف عنك كل ذلك وما تدبره له او تتقي به شر عدوك وضرر كيده فسرعان ما يذهب الى عدوك ويبوح له بكل اسرارك ودخيلة نفسك التي استأمنته عليها وطعن له عرضك ونال من شرفك واظهر له انه عدو لك وحرب عليك وانه له الصديق الوفي فتطمئن نفسه اليه وينطق فيك بالذم وفي عرضك بالنهش ثم يحدث بعد هذا ما فكر فيه وقدر فيعود الى الاول ويقصه عليه ويوغر صدره على الآخر فيزداد العداء وتربو الشحناء وهكذا دواليك حتى تتأجج نيران العداوة وترمي بشرر كالقصر فمثل هذا كفانا المصطفى صلى الله عليه وسلم وحذرنا منه في الحديث الذي رواه عنه ابو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تجد من شرار الناس يوم القيامة ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه رواه مسلم. وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان له وجهان في الدنيا كان له لسانان من نار يوم القيامة رواه ابو داود. وقال تعالى: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على مافي قلبه وهو ألدّ الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد). وقال تعالى عن المنافقين (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون، الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون، أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين). وصار ذو الوجهين واللسانين من شر الناس لأنه يعتبر في فعله هذا منافقاً لأنه يسعى بالافساد بين الناس والكذب والتفرقة فكم من اصدقاء كانوا متحابين متآلفين فرّق بينهم هذا وأمثاله حتى صاروا بعد المحبة أعداء، وبعد الألفة والمحبة والتقدير متفرقين متشاحنين متباغضين وفعله هذا يعتبر أكثر عداوة لله تعالى ولهذا حسب من اشرار الناس وأنه وضيع ماكر مهين لئيم انحطت اخلاقه لاوازع يردعه ولا ضمير يزجره ولا خوف من الله تعالى يؤنبه. علامات ذي اللسانين: قال الغزالي رحمه الله: فإن قلت بماذا يصير الرجل ذا لسانين وما حد ذلك؟ فأقول: اذا دخل على متعادين ونقل كلام كل واحد منهما إلى الآخر فهو ذو لسانين وعمله هذا شر من النميمة, اذ يصير نماماً بأن ينقل الكلام من احد الجانبين فقط فإن نقل من كلا الجانبين فهو شر من النمام. جعلنا الله هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين. عبدالعزيز بن محمد الفنيسان