*اسم الكتاب: الجوار عند العرب في الشعر حتى العصر الأموي. *اسم المؤلف: الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك. *الطبعة: طبعة دار المعارف، الأولى لعام 1412ه. الجوار موروث عربي اصيل، وخلق عربي صميم، وهو حماية الضعيف، ونصرته ومعونته، لاسيما اذا ما عجز عن حماية نفسه وماله، ولقد صدق شاعرهم الاول حين قال: وكنت اذا جاري دعا لمضوفةٍ اشمِّر حتى ينصف الساقَ مئزري وقد بلغ اهتمام العرب بحق الجوار انهم كانوا يقدمون حق الجار الغريب على حق الجار القريب، ويعتبرونه اولى واحق بالاحسان والبر والضيافة، وفي هذا يقول الشاعر علقمة الفحل: فلا تحرمني نائلا عن جَنَابةٍ فإني امرؤ وسط القباب غريبُ وقد اتحفنا الدكتور الفاضل مرزوق بن صنيتان بن تنباك بتحفة ادبية، اخالها ديباجية حريرية، شذاها رائحة عطرية عنبرية جوارية، جاءت في مائة واربع واربعين ورقة بردية من قطع الورق الكبير. وفي استهلالة المؤلف الميمونة المباركة بيّن هدفه من هذا البحث حين قال: وسأحاول في هذا البحث متابعة القصور لماهية الجوار عند العرب، كما جاء وصفه على ألسنتهم من خلال موروثهم الحضاري، والشعري منه خاصة، لأنهم كما هو معلوم قد اجادوا في جاهليتهم الشعر، واحتفوا بالجوار فيه أيما احتفاء . واما سبب اهتمام العرب بهذه القيمة الاجتماعية وعدهم لها خلقا من اخلاقهم، يعود الى حرص الاجواد الشرفاء على كسب الثناء الجميل، ورغبتهم الشديدة الصادقة في ان يخلد الشعر الباقي افعالهم ومكارمهم. وفي مقدمة المؤلف إشارة مهمة إلى القادح الاصلي لزناد هذه الفكرة البحثية، وهو البرفسور W.Montgomery Watt حينما ألقى حلقة دراسية سمناراً على طلاب مرحلة الدراسات العليا في جامعة ادنبرة، وكان موضوع محاضرته عن خصوصية القرآن للعرب، ومدى صلته بلغتهم، واشار الى ان القرآن قد جاء بأمور لا تعرف دلالتها الاجتماعية إلا عند العرب، ومن هذه الامور خُلق الجوار، وقد حاول المؤلف الفاضل بحث هذه الصفة من منطلق التحديد الدقيق للعرف العربي، الذي رأى البرفسور انه لا يوجد في معناه الشامل، ودلالته الاجتماعية إلا عند العرب خاصة، وقد حصر المؤلف بحثه في تحديد مفهوم العرب، ولم يتعده الى مفاهيم الأمم الأخرى، ومادة هذا البحث هي الشعر، وتتبعه في دواوين الشعراء، ويشمل الفترة الزمنية المحددة من العصر الجاهلي حتى عصر الدولة الاموية، ثم يتبع المؤلف استخراجه للمادة الشعرية بدراسة النص، وتحليله لاستقراء قيمة هذا الموروث الجميل عند العرب، وجديد هذه الدراسة أنه لم توجد دراسة مستقلة بهذا الخلق، تُعنى بجمع مادته الشعرية، ثم جعلها مرتكزا ودعامة في الاستقراء والتحليل، هذا وقد قام المؤلف في هذه المقدمة بجرد الكتب المتعلقة بهذا الموضوع، او التي ألمحت اليه إلماحاً سواء كانت قديمة او حديثة وفي هذا يقول: ولم اطلع على كتاب قديم تناول الجوار من نظرة الشعر خاصة،,,, أما الدراسات الحديثة المتخصصة فلم يصل الى علمي ايضا ان بحثا تناول موضوع الجوار في الشعر او النثر ، وحينما حاول المؤلف استقراء الموضوع في الدراسات الحديثة كان ينص على عدد صفحات الدراسة التي خدمت الموضوع، ثم يشير الى الابيات الشعرية التي ساقها الباحثون، ثم بيّن ان غرض هذه الدراسات الحديثة بيان قيمة الجوار الاجتماعية، واهميته في التركيب الاجتماعي، ولم يقصد احد منهم الجوار بذاته، او درسه من ناحية الشعر، غير ان هناك سؤالا يطرح نفسه باحثا عن اجابة وهو: ما السبب في قصر هذه الدراسة على فترة تنتهي بعصر بني امية؟,, وهل السبب عائد الى اتساع العصور الزمنية وطولها اذا ما جاءت الفترة متجاوزة عصر بني أمية؟ رُغم ان المطلع على الكتاب، والمتمعن في مادته، يرى ضخامة المادة التي طرقها المؤلف، فقد تناول ثلاثة عصور متتابعة الجاهلي فالإسلامي فالأموي. أم ان هذا الموروث العربي الأصيل بدأت عُراه تضعف شيئا فشيئا مع بدايات العصر العباسي وانفتاح العالم العربي على عوالم إسلامية غير عربية، وعلى عوالم اجنبية غير مسلمة؟,, أم ان هذا المؤلف الفاضل يريد ان يتحفنا بدراسة اخرى مستفيضة تتناول خلق الجوار فيما بعد العصر الأموي؟,, وهذا ما نتمناه ونصبو اليه بالفعل. وبعد هذه المقدمة الزاكية بدأ المؤلف في صلب الكتاب، حيث استهله بالبحث في دواعي الجوار وأسبابه، وقد حاول مس النواحي النفسية، والغور في أعماق الشخصية العربية الصحراوية، التي حدا بها الى حب خلق الجوار أمران: الأول: بحثا عن الأمن والاستقرار، والثاني: الرادع الذي يحد من قوة القوي، ويقلصها، وذلك حين يلجأ الإنسان الى من يجيره ويحميه، والجوار له صور شتى، من اشهرها: طلب الضعيف العاجز من القوي القادر ان يوفر له الحماية، ومن طرائف الجوار التي ساقها المؤلف، طلب الاعشى من علقمة بن علاثة ان يجيره من الإنس والجن، فقبل، ثم طلب منه ان يجيره من الموت فحار واحتار، ومن صور الجوار ايضا انهم كانوا يجيرون ما لا يعقل مبالغة في الكرامة والمنعة والتحدي، مثلما فعل مدلج بن سويد الطائي في جوار الجراد، وقد حظي الجوار بثمانية مواضع من التنزيل الحكيم، وبنصيب وافر من السنة المطهرة. وتحت موضوع علاقة الجوار أشار المؤلف الى ان الجوار يتم بين طرفين: الأول: المجير الذي يلجأ إليه ويُطلب منه الحماية، والثاني: المستجير او المجاور الذي يطلب الحماية، وأما العامل في الجوار فهو معنوي اولا ثم ذاتي ثانيا، وهو السبب في اشتعال حروب ضارية بين العرب، كحرب البسوس، ويوم الرغام، ويوم رحرحان المشهور وغيرها، وقد تحدث المؤلف في معاني الشعر التي قيلت في نصرة الجار حيث قال: وقد انعدم الفاصل الزمني في لغة الشعر، فتلاحمت الظروف والاحوال وتقاربت المعاني، وتكررت الصور عند الشعراء منذ الجاهلية، تكررت عند امرئ القيس والسموأل وهما من متقدمي الشعراء الى آخر ما قاله شعراء العصر الاموي . ومن اجمل ما قيل في وصف اريحية المجير، وجميل الثناء على كرمه، ابيات طفيل الغنوي في بني جعفر: جزى الله عنا جعفراً حين أزلقت بنا نعلنا في الواطئين فزلّتِ هم خلطونا بالنفوس وألجأوا إلى حجرات أدفأت وأكنّتِ أبوا ان يملُّونا ولو أن امنا تُلاقي الذي لاقوه منا لملتِ وقالوا هلموا الدار حتى تبينوا وتنجلي العمياءُ عما تجلتِ سنجزي بإحسان الأيادي التي مضت لها عندنا ما كبّرت وأهلتِ ويبدو من حديث المؤلف انه كان معجبا جدا بهذه الأبيات، وقد قارن المؤلف بين اللغة الشعرية في كل من مديح المجير او هجائه، فالمدح سمح الارادة سهل المأخذ، أما الهجاء فالشاعر يعيد فيه النظر، ولا يقدم عليه خوفا من الانتقام، وهذا ما جعل شعر الهجاء فيه روح التساؤل، واللوم غير الصريح، وكان الحديث المستفيض عن الجارة له نصيب وافر من حديث المؤلف، حيث جعل لها فصلاً مستقلاً، وتميز الحديث الشعري بشيء غير قليل من التوهج النفسي، وقد تحدثت الدراسة عن اصناف الجارات وهن على التوالي: 1 الجارة الحصان, 2 الجارة المستورة, 3 الجارة الطاعمة, 4 الجارة الجائعة، وأما محاور الشعر الأساسية التي برزت في حديث الجارة ومكانتها فهي: 1 الحفاظ على شرفها, 2 الستر لها, 3 سداد حاجتها. وأخيرا انتهت هذه الرحلة التي اتخذت من الشعر زادا تقطع به هجير الصحراء، وطافت في حدائق الشعر قاطفة ومتذوقة ومستمتعة، وقد امتعتنا هذه الرحلة أيما امتاع، فأنت تتنقل فيها بين مواطن شعرية تتبارى مع بعضها البعض قوة وجزالة وتماسكا، وتأكيدا لهذا الخلق العربي الصميم، وما يستهويك في الكتاب هو جمال الانتقاء للمادة الشعرية، التي تحكي في مضمونها قوة تأصل هذا الخلق في نفس العربي الكريم، ثم التعليقات القوية، والتحليلات الدقيقة التي جاءت عقب الابيات، لاسيما تلك التي اردفت أبيات الهجاء خاصة، وصيرته زيتاً قاراً مسكوباً على رأس المهجو، فلا تقوم ولن تقوم له قائمة بعد هذا التقريع واللوم والتشهير، وقد اتخذ المؤلف من الأبيات الشعرية قاعدة يبني عليها ما يريد قوله، ويتبع ذلك بتحليل دقيق، واستقصاء متين. وانت في الكتاب أمام مادة شعرية جامعة لكل ما قاله الشاعر العربي في هذا الخلق، وما ترنم به وتغناه، وهو يركب ناقته، ويضرب أطناب خيمته، ويحدث ضيوفه، وقد طُرزت الحواشي بمصادر المادة البحثية ومراجعها، وخُتمت الدراسة بخاتمة جميلة تبين غرضها، ومادتها، وما تجشمه الراحل في رحلته من عناء بحث طويل امتد من العصر الجاهلي وحتى نهاية العصر الاموي، وزُين الكتاب بقائمة المصادر والمراجع التي وصلت الى تسعة وسبعين كتابا، ثم فهرس الأعلام وفهرس الشعر.