ينظر عدد كبير من المتقاعدين إلى المؤسسة العامة للتقاعد على أنها محفظتهم الاستثمارية التي وضعوا فيها ما ادخروه طوال حياتهم الوظيفية، ويتوقعون منها الرعاية ومزيداً من الاهتمام الذي يتوافق مع متغيرات الحياة. وحول التقاعد المبكر، قال محافظ المؤسسة العامة للتقاعد محمد بن عبدالله الخراشي إن الدراسات أثبتت عدم جدوى هذا التقاعد نظراً لتأثيراته السلبية في الأطراف المستفيدة كافة، بما فيها المتقاعد نفسه. وأكد الخراشي في حوار أجرته معه"الحياة"أن المؤسسة تراعي التوازن المالي بين المزايا المقدمة للمتقاعدين والاشتراكات التي يتم تحصيلها، مع حرصها على عدم التوسع في المنافع. وأشار إلى أن الإجراءات والضوابط على أموال المتقاعدين التي حددتها المؤسسة تأتي في إطار المحافظة على حقوقهم وتراعي قدر الامكان عدم تمييز بعض الفئات على حساب الأخرى، لافتاً إلى أن المؤسسة تولي موضوع الحد الأدنى للتقاعد اهتماماً ملحوظاً، انطلاقاً من حرصها على تحسين أحوال المستفيدين، وتوفير الحياة الكريمة والاستقرار المعيشي لهم ولأسرهم، مع الأخذ في الاعتبار عدم تأثير ذلك في الالتزامات المالية تجاههم، وبالتالي تبعاتها على ورثتهم. وأوضح أن المؤسسة تسهم في مشاريع مختلفة تحقق كلها إيرادات جيدة، موضحاً أن الاستثمارات تتم وفق توجيهات مجلس الإدارة، الذي يحرص على تنويعها للحصول على اكبر عائد مجز، مؤكداً أن ذلك يأتي في إطار إلتزامها تجاه المتقاعدين. وفي ما يأتي نص الحوار: ما دور تحويل مصلحة معاشات التقاعد إلى مؤسسة عامة في تحسين خدمات المتقاعدين؟ - أعطى التنظيم الجديد المؤسسة مزيداً من الاستقلالية الإدارية والمالية، وتوسيع المشاركة في مجلس الإدارة لتشمل العسكريين والمتقاعدين، فضلاً عن صلاحيات واسعة في إقرار اللوائح المالية والإدارية واللوائح التنفيذية لنظام التقاعد، ما انعكس إيجاباً على مستوى العمل داخل جهاز المؤسسة وعلى ما يتلقاه المستفيدون منها من خدمات. كم يبلغ عدد المتقاعدين في السعودية حالياً، وما حجم المبالغ التي تصرف لهم شهرياً وسنوياً؟ - عددهم 917 ألف شخص، منهم 631 ألفاً لا يزال الصرف مستمراً لهم، أما بالنسبة إلى ما تم إنفاقه على المستفيدين من نظام التقاعد منذ تأسيس المؤسسة وحتى نهاية السنة المالية فقد بلغ 133.5 بليون ريال. والمصروف الشهري للمتقاعدين حالياً يقارب 1300 مليون ريال. يرى البعض أن الحد الأدنى للمعاش التقاعدي البالغ 1500 ريال لا يتناسب مع مستوى المعيشة، ما مرئياتكم؟ - تولي المؤسسة هذا الموضوع جل اهتمامها وعنايتها انطلاقاً من حرصها على تحسين أحوال المتقاعدين وتوفير الاستقرار المعيشي لهم ولأسرهم، مع الأخذ في الاعتبار عدم تأثير ذلك في الالتزامات المالية للمؤسسة تجاه المتقاعدين وورثتهم، وإيجاد نوع من التوازن بين المزايا المقدمة للمتقاعدين والاشتراكات التي لم يتم تحصيلها بحيث تراعي قدر الإمكان ألا تكون لبعض الفئات مزايا على حساب الأخرى، وتنظر المؤسسة إلى الأمور من منطلق مسؤولياتها تجاه ضمان استمرار الوفاء بالحقوق المقررة للمتقاعدين وورثتهم بموجب النظام. نسبة الحسم من معاشات الموظفين السعوديين تعتبر الأعلى في دول الخليج، إذ تبلغ 9 في المئة، بينما نسبة الحسم تتراوح ما بين 2و6 في المئة في الدول الأخرى، على أي أساس حددت هذه النسبة؟ وهل هناك توجه لخفضها؟ - أود التوضيح أنه بغض النظر عن مجموع ما يحسم من الموظف السعودي والنسب في الدول المجاورة فإن نظام التقاعد في المملكة يعتبر من أفضل الأنظمة على مستوى الخليج، وما يميزه هو إمكان حصول المشترك بعد تقاعده على معاش تقاعدي يعادل كامل الراتب الذي يتقاضاه من وظيفته وحصوله على معاش عند بلوغه السن المحددة للتقاعد من دون اشتراط مدة خدمة معينة، وإنما يشترط إكمال فترة التجربة فقط، مع عدم جواز أن يتدنى مجموع ما يصرف للمستفيدين عن صاحب معاش واحد عن 50 في المئة من المعاش أو 1500 ريال كحد أدنى، إضافة إلى شمول المعاش شريحة كبيرة من عائلة المتقاعد. وأجاز النظام أيضاً ضم الخدمة السابقة التي تم التعويض عنها شرط التقدم خلال السنة الأولى من العودة إلى الخدمة وإعادة ما سبق صرفه، إما دفعة واحدة وإما على أقساط شهرية من دون تحميل الموظف أو الموظفة أعباء مالية إضافية. وأثبتت الدراسات في هذا الإطار أن ما يستقطع من الموظف مدة خدمته له والتي قد تمتد إلى 40 عاماً، إضافة إلى أن عوائد استثماراتها لا يتجاوز ما يصرف له خلال معدل ثماني سنوات تقريباً، ويمتد الصرف للمتقاعد وأسرته إلى سنوات عدة في بعض الأحيان، ويمول الفرق من موارد المؤسسة الناتجة من التكافل الاجتماعي الذي بني عليه نظام التقاعد. لماذا لا يحصل موظف الحكومة على مكافأة نهاية الخدمة شأنه في ذلك شأن العاملين في القطاع الخاص الذين يخضعون للتأمينات الاجتماعية؟ - ترتبط مكافأة نهاية الخدمة بأنظمة الخدمة المدنية وبالتالي فإن الجهة الأخيرة التي عمل فيها الموظف هي التي تتولى صرف هذه المكافأة، ولكن المؤسسة تتولى تنفيذ نظامي التقاعد المدني والعسكري فإذا انتهت خدمات الموظف وفق أحد الأسباب الموجبة لاستحقاق المعاش، فإنها تخصص المعاش المستحق ويصرف له من طريق أحد فروع"البنك العربي الوطني". وإن انتهت بغير ذلك تصرف مكافأة مقطوعة لمرة واحدة. ماذا عن أعداد المستفيدين من هذا النظام؟ - العدد الإجمالي يبلغ نحو19300 شخص، ولا تزال حتى الآن ترد إلى المؤسسة طلبات كثيرة لهذا الغرض. لماذا لا تخفض المدة المحددة للموظف بتمضية 40 عاماً في العمل الرسمي الحكومي حتى يتسنى له استلام الراتب كاملاً بعد التقاعد، خصوصاً أن هذه المدة تعتبر طويلة جداً مقارنة بالدول الأخرى؟ - إن بقاء الموظف في العمل لمدة تصل في بعض الأحيان إلى 40 عاماً لا يعتبر طويلاً عموماً، وهناك عدد من الدول التي تدرس رفع سن التقاعد، وأثبتت الدراسات أن لخفض مدة العمل للحصول على التقاعد المبكر آثاراً سلبية متنوعة لا يقتصر أثرها في مؤسسات التقاعد فحسب، وإنما يتعداها إلى القطاع الحكومي وإلى الموظف المستفيد من هذا النظام، ومن المعروف أن تنظيم أحكام التقاعد المبكر وتيسير ضوابطه يترتب عليه حصول المستفيد منه على معاشات تقاعدية في سن باكرة، وبالتالي فإن استمرار صرف مبالغ من مؤسسات التقاعد لهذا الغرض لفترات طويلة يحملها أعباء مالية كبيرة، نظراً إلى انعدام الاشتراكات التي كانت تتحصل من الموظف قبل لجوئه إلى التقاعد المبكر وتحوله من داعم للمؤسسة وأحد روافدها إلى مستهلك يستنفد احتياطاتها وهو ما ينعكس سلباً على مقدرة المؤسسة في الوفاء بالتزامها تجاه المتقاعدين والمستفيدين من بعدهم، كما أن للتقاعد المبكر آثاراً سلبية على الجهة التي يعمل فيها المتقاعد، إذ أن إتاحة الفرصة للموظف للخروج من الخدمة على هذا النحو بضمان معاش تقاعد شهري يفقد المرفق الحكومي أصحاب المؤهلات والخبرات لتحولهم إلى القطاع الخاص بعد أن حان الوقت لقطف ثمار التأهيل والخبرة، يضاف إلى ذلك أن نظام التقاعد الباكر قد يكون سبباً في تعطيل بعض القطاعات العاملة في المجتمع نظراً إلى لجوء أصحابها إلى التقاعد المبكر والاكتفاء بما تم تخصيصه لهم من معاشات تقاعدية. ترون إذاً عدم فتح المجال للتقاعد المبكر؟ - كما أشرت سابقاً، أرى أن الحل يكمن في سعودة الوظائف في التعليم الأهلي والوظائف الصحية وغيرها من المجالات وتحسين مخرجات التعليم لتوجيه الشباب نحو مجالات عمل جديدة. ما أبرز المشاريع لديكم في مجال الاستثمار العقاري؟ - للمؤسسة عدد من المشايع العقارية القائمة وأخرى تحت الدراسة، وهي تسهم في مختلف المشاريع بعد دراسة واضحة ومتأنية لجدواها الاقتصادية، وبناء عليه تشارك في أكثر من 30 شركة وطنية، وحققت استثماراتها إيرادات جيدة. هناك مطالب من المتقاعدين بإعادة النظر في نظام التقاعد المعمول به منذ ما يزيد على نصف قرن، وإيجاد نظام جديد يكفل للموظف الحكومي حقوقه ويساويه بغيره من موظفي القطاع الخاص، ما تعليقكم؟ - اجتاز تطوير نظام التقاعد المعمول به حالياً مراحل عدة، إذ شكلت لجان متخصصة لهذا الغرض شارك فيها إضافة إلى المختصين في المؤسسة عدد من أصحاب الخبرة في بعض أجهزة الدولة المختلفة، كما تمت الاستفادة من خبرات وتجارب الدول الأخرى في هذا المجال، مع الأخذ بعين الاعتبار تطلعات المستفيدين من خدمة المؤسسة. ويعتبر مشروع النظام الجديد خلاصة وثمرة لمراجعة شاملة للأحكام كلها المتعلقة باحتساب الخدمة لأغراض التقاعد وقواعد التخصيص وضوابط الصرف، خصوصاً في ما يتعلق بحقوق المستفيدين من الموظفين أو أصحاب المعاش، بما يحقق المزايا والفوائد التي تتطلع إليها هذه الشريحة، وتمت مراجعة المشروع من مجلس الإدارة مرات عدة للتأكد من أن التعديلات لا تنطوي عليها أي أعباء مالية تؤثر في المركز المالي للمؤسسة مستقبلاً ومقدرتها في الوفاء بالتزاماتها تجاه المتقاعدين وأسرهم، ومجلس الإدارة مطمئن تماماً إلى ما يحتويه هذا النظام من تعديلات ومزايا تنصب في مصلحة المتقاعدين والمستفيدين. ما أهم ملامح هذا النظام؟ - طالما أن المشروع لم يعتمد بعد فإنه من الصعب الإفصاح عن الجوانب والنقاط التي يتضمنها، ولكنني على ثقة تامة أن القيادة حريصة على إقرار الجوانب الرئيسة للمشروع لكل ما من شأنه مصلحة المتقاعدين وورثتهم وتحقيق الاستقرار المعيشي والحياة الكريمة لهم. "المحافظ": ما يستقطع من الموظف خلال عمله لا يتجاوز ما يصرف له خلال 8 أعوام ردّ محافظ المؤسسة العامة للتقاعد محمد بن عبدالله الخراشي، على تساؤلات بعض المتقاعدين عن سبب عدم استفادتهم من مشاريع المؤسسة التي تدر بلايين الريالات، وانعكاسها على زيادة رواتبهم التقاعدية، بأن المؤسسة جهة مؤتمنة على أموال المتقاعدين وأن عملية استثماراتها تتم وفقاً لتوجيهات مجلس إدارتها الذي يحرص على تنويع الاستثمارات في مختلف المجالات والحصول على أكبر عائد مجز. وأكد أن ما يستقطع من الموظف طوال مدة خدمته إضافة إلى عوائد الاستثمار لا يتجاوزان ما يصرف له خلال ثماني سنوات، الأمر الذي يؤكد ضرورة مراعاة التوازن المالي بين المزايا المقدمة للمتقاعدين والاشتراكات التي يتم تحصيلها وعدم التوسع في المنافع. وأضاف أن فترات الصرف للمستفيدين من تاريخ إحالتهم إلى التقاعد حتى وفاتهم قد تكون طويلة، وكذلك الصرف للمستفيدين من تاريخ وفاة مورثهم حتى وفاتهم، وذلك إذا كان المستفيد عاجزاً عن الكسب والزوجات والبنات لا يعملن أو غير متزوجات. وأشار إلى أن مجلس الإدارة يركز على الاستثمارات التي تعود بالنفع على المؤسسة لمقابلة التزاماتها تجاه المتقاعدين وأسرهم سواء للأجيال الحالية أو المقبلة.