أكدت دراسة عن تطوير إدارة الفوائض المالية وأساليب توظيفها التي تقوم في منتدى الرياض الاقتصادي الثالث غياب المفهوم المحدد للفوائض المالية؛ إذ لم يوضع أي تعريف أو إجراء محدد تسير عليه وزارة المالية في التعامل مع الفوائض الفعلية والنفقات الفعلية. وأشارت الدراسة إلى أن الوزارة تقوم بتوظيف الجانب الأعظم من الفوائض عن طريق مؤسسة النقل وخدمة الاستثمارات العامة لاستثمارها. وتستثمر الفوائض الموضوعة تحت تصرف المؤسسة في ودائع البنوك الخارجية أو شراء أوراق مالية خارجية. وأفادت الدراسة أن هناك مؤشراً إلى تدني العائد من هذه الاستثمارات بحيث تتراوح بين 3% و5% وذلك عدا ضعف الآثار الإيجابية للاستثمارات الخارجية في الاقتصاد السعودي. أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة: 1- أهم ايجابيات سياسة استخدام الفوائض المالية: أ- وجه جانب كبير من الفوائض لاصلاح اختلال اقتصادي بارز يتمثل بالدين العام الذي اضطرت الدوائر المالية للدولة للجوء إليه حيث استخدم جزء من الفوائض في خفض مستوى سداد الدين العام وازاحته، وتوالى هذا الخفض عدة سنوات حتى وصل إلى مستوى مأمون لا يتجاوز 28% من الناتج المحلي الاجمالي. ب- توجيه جانب آخر من الفوائض لدعم الصناديق المتخصصة وبشكل خاص صندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية العقارية وصندوق التنمية الصناعية لتمكينها من زيادة رؤوس أموالها وتقديم المزيد من الخدمات التمويلية للمنشآت الانتاجية والخدمية. 2- أهم سلبيات استخدام الفوائض المالية: أ- غياب المفهوم المحدد للفوائض المالية، إذ لم يوضع أي تعريف أو قاعدة أو حتى اجراء محدد تسير عليه وزارة المالية في التعامل مع الفوائض، وظل الفائض مجرد لافرق بين الإيرادات الفعلية والنفقات الفعلية حيث ترافق ذلك مع تعاظم الانفاق الجاري عاماً بعد آخر محققاً زيادة بمقدار (43%) في الفترة من عام 2000 إلى عام 2005م عن الفترة (1993-1999م) مستنفذاً نسبة 76.25% من اجمالي نفقات الميزانية و 76.84% من الإيرادات النفطية بحيث لم يترك الانفاق الجاري سوى 23.84% من الايرادات النفطية لكل من الانفاق الرأسمالي والفوائض المالية مجتمعين. ب- لا نجد أي طريقة محددة لاحتساب أو تقدير الفائض كما لا تتوفر قواعد تلزم مثلاً أن لا يتجاوز الانفاق الجاري ضعف أو ضعفي الإيراد غير النفطي أو لا يتجاوز الانفاق الجاري نسبة محددة من الإيرادات النفطية أو أن تكون هناك قاعدة تحول نسبة محددة من الإيرادات النفطية للانفاق الرأسمالي لتمويل المشاريع أو أن تعامل كفوائض مالية. ج- تقوم وزارة المالية بتوظيف الجانب الأعظم من هذه الفوائض عن طريق مؤسسة النقد وصندوق الاستثمارات العامة ليقوما باستثمارها. د- تستثمر معظم الفوائض المالية المتاحة الموضوعة تحت تصرف مؤسسة النقد في ودائع في بنوك خارجية أو شراء أوراق مالية خارجية، وهناك مؤشرات أن معظم الدول التي تستثمر فوائضها في مثل هذه الاستثمارات وخصوصاً سندات الخزينة الأمريكية تعاني من تدني العائد من هذه الاستثمارات بحيث تتراوح بين (3%) و(5%) هذا عدا ضعف الآثار الايجابية للاستثمارات الخارجية في الاقتصاد السعودي. ه - غياب الاستراتيجية الواضحة المحددة للتعامل مع الإيرادات النفطية والإيرادات غير النفطية وللتعامل مع الانفاق الجاري والرأسمالي وبقاء الفوائض المالية حصيلة لما يفيض من الإيراد الفعلي عن الانفاق الفعلي دون أي اعتبار آخر. التجارب الناجحة لبعض الدول: يشكل الاطلاع على تجارب الدول الأخرى والوقوف عندها وتحليلها والاستفادة منها أحد أساليب إثراء أي بحث ومقارنة ما هو سائد في البلد مع ما هو ناجح في البلدان الأخرى، مع ملاحظة أن دراسة تجربة أي دولة مهما كانت ناجحة لا يمكن تقليدها حرفياً على أن ذلك لا يقف حائلاً دون الاستفادة من التجربة الناجحة. من هنا يشمل الباب الثالث من هذه الدراسة اصطفاء عدد من تجارب الدول الناجحة ليتم الاستفادة منها عند صياغة أسلوب ادارة الفوائض المالية وتوظيفها في المملكة. 1- ظهر مصطلح (صندوق الأجيال القادمة) في الكويت قبل عشرين سنة معبراً عن قلق المسؤولين والمواطنين من المستقبل في حال تراجع الايرادات النفطية والكيفية التي يمكن من خلالها حينذاك استمرار مستويات الدخل المرتفع والرفاهية، وتم صياغة مشروع استراتيجي يقوم على حجز نسبة 10% من الايرادات النفطية وتحويلها لحساب صندوق الأجيال القادمة حيث تراكمت فيه أموال جرى استثمارها من خلال مساهمات في بعض الشركات الصناعية في الدول الأوروبية وشراء بعض الممتلكات العقارية معظمها في الخارج، كذلك قام الصندوق بتمويل حكومة الكويت أثناء وجودها في الخارج خلال فترة احتلال الكويت (تتراوح تقديرات مديونية حكومة الكويت للصندوق ما بين (17) إلى (42) مليار دينار كويتي). ويؤخذ على أسلوب استثمار صندوق الأجيال القادمة ما يؤخذ على أسلوب استثمار الفوائض في أوراق مالية أو ودائع مصرفية أو شراء أسهم بهدف العائد فقط، إذ يقل أو يكاد ينعدم دوره في تطوير قطاعات الاقتصاد المحلية الانتاجية أو الخدمية. 2- تعتبر إمارة أبو ظبي أول من قام بانشاء هيئة أو صندوق أو جهاز حكومي يقوم باستثمار ما يتوفر لديها من أموال عامة فائضة عن حاجتها للانفاق الجاري في استثمارات غير الاستثمارات التقليدية (ايداع الأموال الفائضة في البنوك أو شراء الذهب) حيث عمدت حكومة الإمارة إلى استحداث جهاز استثماري سمي بجهاز أبو ظبي للاستثمار يملك أصولاً تتراوح تقديرات قيمتها بين (300) مليار دولار إلى (500) مليار دولار وبذلك يعتبر هذا الجهاز ثاني أكبر مستثمر في العالم بعد بنك اليابان. ورغم عدم توفر معلومات منشورة عن الصندوق يقدر المتتبعون لنشاطاته أن الصندوق يميل إلى تملك الأصول في الشركات العالمية الانتاجية والمالية وإلى شراء العقارات المدرة للدخل بالاضافة إلى نسبة من الاستثمارات المالية في شراء الاسهم والسندات، وقامت إمارة أبو ظبي عام 2002م بانشاء شركة مبادلة للتنمية كشركة مساهمة تعمل وفق نظام شركات أبو ظبي حيث تملك حكومة أبو ظبي كامل رأسمالها وتعمل وفق طرق الاستثمار الخاص وأساليب الاستثمار التجاري. وتقوم شركة مبادلة بإنشاء وتأسيس الشركات وحيازة حصص في المؤسسات والشركات في أي مجال داخل دولة الامارات أو خارجها، كما تملك استثمارات في العديد من المشاريع. 3- أنشأت النرويج صندوقاً أطلقت عليه اسم صندوق بترول النرويج عام 1990م مدفوعة بتصاعد مستويات الدين العام ومعدلات التضخم ويميل الصندوق غالباً نحو الأسهم والسندات المالية كما يميل نحو التحفظ في الاستثمار من خلال اختيار الاستثمارات ذات المخاطر المتدنية والبعد عن الاستثمارات ذات المخاطر العالية. وخضع الصندوق عام 2005 إلى اعادة هيكلة تم بموجبها دمجه مع صندوق حكومة النرويج للمعاشات الذي يعتبر أحد أكبر صناديق التقاعد والمعاشات في العالم بموجودات تبلغ (160) مليار يورو يتوقع أن تكون وصلت إلى (183) مليار يورو في نهاية عام 2006م وهو ما يعني وجود مبلغ 35.793 يورو لكل مواطن نرويجي من الصندوق. 4- أسست حكومة سنغافورة شركة باسم شركة حكومة سنغافورة للاستثمارات الخاصة المحدودة GIC كشركة إدارة استثمارات في عام 1981م لادارة احتياطيات دولة سنغافورة واستثماراتها المالية في الخارج في شراء حقوق ملكية ومصادر للدخل الثابت وفي الوسائل المتداولة في أسواق المال وفي العقارات والاستثمارات الخاصة، وتزيد قيمة استثمارات GIC عن 65 مليار دولار أمريكي، كما أسست حكومة سنغافورة كذلك شركة عامة في عام 1974م باسم تيماسك القابضة تعتبر أحد أنجح الأجهزة الاستثمارية في العالم, وتخضع تيماسك لنظام شركات سنغافورة وتملك الدولة كل رأسمالها، بلغت قيمة المحفظة الاستثمارية التي تديرها تيماسك (80) مليار دولار أمريكي بتاريخ 31-3- 2006م، وتستثمر تيماسك في العديد من القطاعات وتسعى للاحتفاظ بمحفظة متوازنة مالياً وجغرافياً ومن حيث السيولة وتسير الشركة على قاعدة طرح تكلفة رأس المال الحدية من العائد واضافة فرق القيمة السوقية للوصول إلى ما يسمى بمفهوم الثروة المضافة كنتيجة لجهودها. واستطاعت تيماسك أن تحقق أرباحاً منذ تأسيس الشركة حتى الآن بنسبة (17%) سنوياً، وتخضع تيماسك نفسها لدرجة عالية من الشفافية إذ تنشر قوائمها المالية وتخضع حساباتها لتدقيق مدقق حسابات خارجي وتطبق مبادئ حوكمة الشركات والمزاوجة بين المحاسبة والمسؤولية. 5- أنشأت حكومة ماليزيا شركة الخزانة الوطنية عام 1993م كشركة عامة محدودة المسؤولية وفق نظام الشركات الماليزي. وتملك حكومة ماليزيا أسهمها بالكامل وهي الجهاز الاستثماري لحكومة ماليزيا ومفوضة استراتيجياً بالاستثمار نيابة عن حكومة ماليزيا وتنشيطه في الصناعات والأسواق الحديثة وتهدف باستثماراتها إلى دعم النمو الاقتصادي في ماليزيا كما تقوم بدور القوة الموجهة للاقتصاد الماليزي. وتستثمر شركة خزانة فيما يزيد على (50) شركة في ماليزيا وفي الخارج، ويدير شركة خزانة مجلس ادارة مؤلف من ثمانية أعضاء من القطاعين العام والخاص برئاسة رئيس مجلس وزراء ماليزيا. حيث يقوم المجلس بتعيين أعضاء مجالس إدارة الشركات التي تملكها أو تسيطر عليها الشركة، وكذلك تعيين مسؤوليها الإداريين الرئيسيين فيها. 6- تعتبر الصين الشعبية أكبر مالك لاحتياطيات أجنبية في العالم تقدر بحوالي (1) تريليون دولار 15-3- 2007م نتيجة النمو الهائل في صادرات الصين وتدفق رأس المال الأجنبي المباشر FDI إليها. وقررت الصين بعد دراسة عوائد هذه الاستثمارات سلوك الطريق الذي سارت عليه سنغافورة وتأسيس شركة مشابهة لشركة تيماسك برأسمال يتراوح بين (200) إلى (400) مليار دولار واتباع استراتيجية استثمارية أكثر جرأة، واستخدام أموالها في منتجات استثمارية ذات مردود أعلى كتأسيس الشركات وشراء أسهم وشراء ديون الدول الأخرى. يتلخص ما يمكننا استنتاجه من تجارب هذه الدول في ما يلي: أ- لا يقوم المصرف المركزي عادة بالعمل كذراع استثماري للدولة ولا تقوم الإدارات أو المنظمات التي تدار بالأسلوب الحكومي بإدارة هذه الاستثمارات، والنموذج الأكثر تطبيقاً هو تأسيس شركات وفقاً للنظام السائد في البلد على أن تعمل مثل باقي الشركات الأخرى باستثناء تملك الدولة لكامل الأسهم، لتقوم بدور الجهاز الاستثماري للدولة والقوة الموجهة للاستثمار، على أن نخضع للعلنية والشفافية وحوكمة الشركات وتدقيق الحسابات الخارجية وإدارة الاستثمار وفق قواعد الاستثمار التجاري البحت. ب- لا تقوم شركة واحدة فقط بمسؤولية إدارة موارد الدولة بل يتم تأسيس شركة استثمارات في الوسائل والمنتجات المالية وشركة استثمارات في ادارة الأصول وتملكها، بالاضافة إلى تأسيس الشركات الجديدة. ج- ليس هناك من تناقض بين ملكية الدولة لكامل رأسمال الشركة الاستثمارية الحكومية اضافة إلى تعيين مجلس ادارتها (شريطة أن يكونوا من الخبراء والمتفرغين) وبين انطلاق هذه الشركة في السوق المحلي والسوق العالمي باحثة عن الفرص الاستثمارية. د- تتم معاملة مسؤولي ومديري ومجلس ادارة هذه الشركات باعتبارهم موظفي قطاع خاص وأن يحصلوا على مكافأة مجزية لأعمالهم حتى ولو كانت نسبة بسيطة من الأرباح كما تعمل الشركة وفقاً لآليات القطاع الخاص. ه - تشكل هذه الشركات من خلال عوائد الاستثمار الذكي مصدرا دائما وقويا لتغذية الميزانية العامة. و- تعتبر هذه الشركات أداة قادرة على انشاء شراكات اقتصادية مع شركات اقتصادية عملاقة ورائدة في مجالها على المستوى العالمي. ز- تدل تجربة الصين بوضوح على أن الاستثمار في سندات الخزينة ليس هو الطريق الأفضل بل ربما كان هو الطريق الأقل جدوى استثمارياً. بعد استعراض التطور التاريخي للميزانية العامة في المملكة وبعد تقييم أساليب استخدام الفوائض المالية المتاحة ودور الجهات العامة ذات العلاقة بهذه الفوائض في التعامل معها، وبعد التعرض لبعض التجارب الدولية الناجحة للتعرف على كيفية التعامل مع فوائضها المالية العامة والأساليب التي اتبعتها في توظيفها، فقد توصلت الدراسة إلى عدد من التوصيات التي سيتم مناقشتها في الجلسة المخصصة لمناقشة هذه الدراسة، كما سيتم نشرها في كتيب خاص يحوي كافة توصيات المنتدى.