استحق الاتحاد العريق بطولة الدوري بكل جدارة واقتدار، وصفق مدرج الرياضة النظيفة لنجومه احتراماً وابتهاجاً، على ما قدموه من مستوى في الأداء والعطاء والبذل، وتجسيدهم لمعاني الأخلاق والقيم الرياضية النبيلة، التي انعكست على ردة فعلهم وتصرفاتهم وهم يحققون انتصاراً وإنجازاً كبيراً على منافسهم العتيد، فنجوم الاتحاد بقيادة النجم الكبير محمد نور لم تأخذهم نشوة الفوز والفرح في التحول إلى عضلات منفلتة عن قيم وأخلاق الرياضة، وإنما وعوا وتمسكوا بقيمة الرياضة وغاية التنافس فيها، فلم يرتضوا لأنفسهم بأن يكونوا أرجوحة في طيش وناموس الأمية والنعرة الجاهلية تلك التي تحول قيمة ومعنى المنافسة الرياضية إلى منازلة ومكايدة ومعركة تنضح وتفرز بالغل والتشفي وتحول صاحبها إلى مريض نفسي هائج مستسلم إلى نوازع جاهلية، ترفضها الرياضة جملة وتفصيلا، بل وما جاءت الرياضة إلا بديلاً متحضراً يذوبها، ويخلص الفرد والمجتمع من خطرها. ونجوم الاتحاد بادروا في روح رياضية نبيلة إلى ارتداء شالات منافسهم، وحرصوا على أن تكون طريقة وأسلوب تعبيرهم عن فرحتهم العارمة في حدود أخلاقيات وقيم الرياضة السامية، وكذلك فعل جمهور الاتحاد المملوء بالفرح والبهجة في ملعب المباراة الذي لم يتحول إلى فك وحنجرة تتشفى وتنشر عقداً نفسية منفلتة ترفضها غاية الرياضة الكبرى. وهذا الفعل، يجب أن يتوقف عنده الإعلام الرياضي كثيراً ويتبناه ويقتدي به، لكونه يشكل مؤشراً صحياً وواعياً يجب أن يسود المشهد الرياضي السعودي، فهو المكسب الحقيقي من الرياضة على الفرد والمجتمع والسلوكيات الرياضية وهو مؤشر مفرح على انتشارية ثقافة الرياضة الواعية.. وهو العدو اللدود للأمية الرياضية التي تحول المنافسة الرياضية إلى خيمة جاهلية، وغرفة للأمراض النفسية. إذا كان الاتحاد قد استحق كأس البطولة من يد الأمير سلطان ولي العهد، فإنه نال تاج الممارسة الرياضية الواعية، من خلال المعاني السامية التي شكلت تعامله وفعله بعد المباراة، وأثناء منافستها. ونجوم الاتحاد وجماهيره قدموا النموذج الناضج لمعنى وقيمة رسالة الرياضة السامية، فإنهم قد وجهوا (صفعة) قوية للأمية الرياضية، ولطابور المشجعين المحسوبين على الإعلام الرياضي البعيد عن تجلي معنى وقيمة الرسالة الرياضية النبيلة، أولئك الذين لا يملون ولا يكلون في أن نفث سموم الكراهية والتشرذم، والتعامل مع المنافسة الرياضية بأعراف (داحس والغبراء). وبالقدر نفسه قدَّم نجوم الهلال ومدرجه الكبير نموذجاً راقياً وواعياً لمعنى التعامل الرياضي في المنافسة الرياضية، فلم يكسروا هذه القيم ويتجاوزوا مبادئها، رغم أنهم قد أصيبوا في الصميم فيما يشبه (الفاجعة) فكانوا مثالاً للمحترم لمنافسه والمبارك له، فلم يتحولوا إلى مبررين لإخفاقهم، وينصبوا مشاجب يعلقون عليها المسببات وما شاؤوا من التأويلات والاتهامات، بتاتاً لم يتحولوا إلى إصبع يؤشر بالاتهام للتخلص من تحمل المسؤولية ولحماية الذات، ولم يتحول مدرج الهلال إلى الإيذاء.. لم يتحول وهو الذي يفقد أغلى الكؤوس إلى عضلة متشنجة كما حدث - مثلا - بالنسبة لجمهور النصر عندما فقد نقطة مشكوكاً فيها.. أصلا وفصلا، والذي ملأ الملعب والمسابقة ضجيجاً وهياجاً أهوج. إن الأندية العريقة والواثقة من حقيقة حقلها ووهجها لا مكان للأمية الرياضية في ميدانها، لكونها قد تأسست على مبادئ وقيم الرياضة النظيفة المملوءة بالصحة والعافية. حرس الله لرياضة الوطن أنديتها الجماهيرية العريقة، الاتحاد والهلال والأهلي والوحدة والشباب والاتفاق وبقية أندية الوطن السعودي التي تحتويها خيمة الرياضة السعودية الكبيرة، تلك التي بدأ تأسيسها الحديث على يد المؤسس الرياضي الرائد عبد الله الفيصل رحمه الله. فاجعة.. نصف الشهر - القرن لم يكن ما حدث في مباراة النهائي مفاجأة بالنسبة لمدرج الهلال الكبير، ولكن لم يتوقعوا (فاجعته)! فالوضع الإداري الذي يرزح فيه ناديهم العريق لم يكن مطمئناً، لكونه ليس بالمقنع. فهم أدركوا مبكراً أن أكبر أندية الوطن تدار شؤونه بعيداً عن العلمية والاحترافية، ويفتقد إلى الإدارة الحكيمة والناضجة، وتلك تجلت في الوسيلة والأداة التي تدار بها شؤون النادي. ولهذا ظل النادي - مع الأسف - معزولاً ومنعزلاً عن مدرجه وعن رموزه، كأنما هو ليس بالنادي الجماهيري، وإنما نادي (نخبوي) أو (محدود الجماهيرية) كأي نادٍ تابع لمؤسسة أو هيئة أو موجود في قرية أو حارة. لعل من إيجابيات فاجعة ليلة السبت، أنها قد حسمت الأمر بالنسبة لجماهير الهلال، وتأكد لها أن ناديها العريق يحتاج إلى (إعادة تأسيس) جديدة، تخرجه من (اختطاف) النخبة له، وتعيده إلى رحابة فضاء جماهيره. لذلك لم يعد مقبولاً، أن يهندس شأن البيت الأزرق من خلال نخبة تنفرد في تدبير وتحديد أوضاعه وشؤونه، فهذا أمر ترفضه خصوصية الهلال.. لكونه نادياً جماهيرياً.. هو من الناس وإلى الناس. أسسه شيخ الرياضيين عبد الرحمن بن سعيد لكل الأطياف، ودعمه في مراحل تاريخية مهمة رجال آمنوا برسالة الرياضة وقيمتها في مقدمتهم والد الهلاليين الأمير هذلول بن عبد العزيز والأمير عبد الله بن ناصر وعبد الرحمن الحمدان وغيرهم من المخلصين الصادقين مع رسالة الرياضة وأهمية الواجب الذي يجب أن يؤديه نادي الشعب في خدمة رياضة وطنهم الطاهر. لم ينفرد رجال الهلال القدوة والنموذج بالهلال لوحدهم، ولم يحولوه إلى وقف يتعاقبون تداول إدارة شؤونه فيما بينهم إنما فتحوا الأبواب والقلوب والوجدان لكل رياضي يؤمن بقيم الرياضة السامية ويريد خدمة رياضة وطنه الغالي أن يشاركهم العمل والإخلاص، ولهذا استحوذ الهلال على مدرج الرياضة الكبير من خلال العمل الجماعي، والمشاركة الجماعية، فلم يكن نادياً لنخبة أو وقفاً لشللية أو توريثاً لفئة أو أفراد لا يجب أن يكون غيرهم. ليس بالمال، والجاه تجلب الحكمة والنضوج للعمل الإداري، ففي نواميس العمل المثمر والناجح في الأندية الرياضية لا بد من امتلاك الخبرة والحنكة في القيادة الإدارية حتى يتم التمكن من استثمار الإمكانات والقدرات المتاحة. وهذا بالضبط، ما تأكد لمدرج الهلال، وهو ما يلمسه الراصد والمتابع لشجون وهموم وآراء الهلاليين في الإنترنت وفي الإعلام ومنتديات ومجالس الرياضيين، الذين لم يخفوا خوفهم من غياب العقلية الإدارية الخبيرة والممتلكة لشروط العمل الإداري الحديث في ناديهم الكبير. جماهير الهلال وعبر منتدياتهم ومجالسهم باتوا ملحين الآن أكثر من أي وقت مضى، على إعادة ناديهم لهم، وتخليصه من هيمنة النخبة المرحلية التي يقول عنها الهلاليون إنها تختطف ناديهم أو ما يشبه ذلك، حيث الانفراد في تحديد وتدبير شؤونه. لعلي مع هؤلاء أطالب بعودة الهلال إلى جماهيره، وأن تدار أموره من خلال قيادات إدارية (ينتجها) النادي وليس من خلال أسماء فجائية.. لا يعرفها أحد، ولا خبرة لها بالعمل الرياضي، أو كما تسميهم أحاديث جماهير المدرجات ب(الهابطون بالمظلات) كناية عن عدم معرفتهم السابقة بأي نشاط أو تجربة أو حضور رياضي لمن صاروا بكل سهولة وجرأة يتولون إدارة الأمور في النادي. محزن أن يتحول النادي الكبير إلى نادٍ صغير، وأن تكون إدارته إدارة صغيرة لكرة القدم، وهو النادي متعدد الألعاب والنشاطات والفعاليات.. محزن أن تمر مناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيس النادي.. ولا تكترث إدارة الهابطين بالبرشوت بالأمر.. محزن أن تحقق فرق النادي المختلفة البطولات والكؤوس وإدارة النادي لا تتواجد ولا تتفاعل.. وقد حولت نفسها إلى إدارة كرة.. كما لو أنها إدارة لنادٍ وحيد النشاط كالنصر أو النخيل.. محزن ألا يكون لأكبر أندية الوطن وصاحب أكبر مدرج رياضي عربي وأوسعها آسيوياً.. برنامج عمل محدد ومبرمج، وأن يبقى رهينة للعمل العشوائي والحماسي واللحظي. أخيرا، آن الأوان لأن يدير شؤون نادي الهلال أبناؤه ونبت حقله الخصب..، آن الأوان أن تكون إدارة الهلال القادمة برئاسة من هم ليسوا من (الهابطين بالبرشوت) أو الباحثين عن الشهرة. مدرج الهلال والرياضة السعودية تريد أن يكون رئيس الهلال القادم جديداً، ومن خارج النخبة الوحيدة.. فمتى يكون من يدير شؤون الهلال هلاليون معروفون هم أولى من غيرهم كبقية أندية العالم الجماهيرية.. مثل فيصل أبو ثنين.. صالح النعيمة.. نواف التمياط.. د. إبراهيم البابطين.. سامي الجابر.. د. سلطان المهنا.. د. عبد الرحمن القحطاني.. د. العواد.. فواز المسعد.. سعد المقرن.. طارق التويجري.. عادل البطي.. د. القناص.. وغيرهم من نجباء الهلال. إذا غابت الرؤية والحكمة والثقة في نواميس بناء الفرق الرياضية الطموحة والحريصة على التواجد المنافس في ميدان المنافسات الرياضية.. اقتناص فرص تاريخية لتجديد عناصرها.. لتواصل التفوق، وهذا ما حدث للهلال، ولكن أضاع من يده هذه الفرصة التاريخية.. التي قليلا ما يجود بها الزمان.. والسبب في هذا الضياع.. قلة الخبرة والدراية في العمل بالشأن الرياضي! فالهلال حقق المركز الأول مبكراً، وأمامه شهر ليلعب النهائي مع فريق سيواصل خوض مباريات فوق ما خاضه في مشوار المسابقات الكروية.. هذه الفرصة التاريخية.. كانت متاحة للهلال، وربما الهلال وحده دون سواه، لكون الهلال يملك صفاً من النجوم الشباب المتمرسين، فلو زج بهم في تشكيل الفريق لظهر الهلال بشكل أكثر فاعلية ونشاطاً وحرصاً على استغلال المناسبة لميلاد نجوميتهم.. هكذا يتم تدشين نجومية المواهب.. عمل ذلك، يحتاج إلى الإداري الناضج والملتزم باستراتيجية تبنى للفريق تشمل الراهن.. والقادم. لا يفعل ذلك إلا العقلية الإدارية الشجاعة.. وليس تلك التي تعمل ليومها.. ونفسها.