سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الخيمة محاولة لاكتشاف الهوية الثقافية من قبل أطفال عرب نشأوا في الغرب خيمة عربية تحكي قصة حضارتها للغرب
2500 زائر ضمن برامج زيارات منظمة يعيشون أجواء الخيمة العربية
ماذا يعني وجود خيمة عربية في متحفٍ غربي مشهور مثل المتحف البريطاني؟
قد لا تعني الخيمة لمن أَلِفَها وسَكَنها من أبناء البادية سوى مسكن عادي اعتادوا العيش فيه والاحتماء به من مؤثرات الطبيعة من رياح ورمال وأمطار وغيرها, لكنها للأوربيين والغرب عموماً ربما كانت لغزاً محيراً إذ كيف يمكن أن تصد قطعة قماش رتبت بشكل ما، الرياح وتحمي ساكنيها من الأمطار؟ أسئلة كثيرة في الواقع، ولكن ظهور خيمة عربية في احدى قاعات المتحف البريطاني كان أشبه بمفتاح سحري يحاول حل اللغز والاجابة على كل التساؤلات التي يثيرها البريطانيون بخاصة والغربيون بشكل عام. فكيف ظهرت تلك الخيمة العربية، وكيف استوطنت أرض الانجليز؟ وهل ستفارق رمالها وأهلها، لقد اعتادت هواء الصحراء النقي، فهل ستعيش راضية بين جدران المتحف؟ أم أنها ستقنع بما لديها من دلال القهوة وباقي الموجودات مستعدة لتلقي واستقبال عيون الزائرين الجدد، راضية بوضعها كسفيرة لرمال الصحراء؟ عن كل تلك الأسئلة يحاول هذا التحقيق الاجابة بتواضع، الكلمات ودلالة الصور. من أين جاءت الفكرة؟ قبل الاجابة على هذا السؤال، لابد من الحديث قليلا عن ذلك القسم في المتحف البريطاني والذي يعنى بالثقافة العربية والاسلامية، أعني به القسم الثقافي العربي والاسلامي والذي تأسس فيه قبل ثلاث سنوات برنامج للتوعية بالحضارة العربية والاسلامية مستفيدا من موجودات المتحف من الآثار الاسلامية والعربية. تولت إدارة البرنامج سيدة انجليزية درست الاثار والتاريخ الاسلامي لكنها أرادت شخصية عربية تقوم بمساعدتها فكان ذلك لها حيث توظفت سيدة عربية درست العادات والتقاليد، ومعاً بدأتا تبعثان حياة في ذلك القسم، في محاولة لاخراجه من صمت الجدران وسكون الاوعية، والادوات إلى العلاقة الحية بين الزائر والشيء المعروض. كانت فكرة استقدام خيمة هي لكسر ذلك الطوق الصامت في المتحف وإذا ما ترافق ذلك بفعاليات حية، فان ذلك كفيل بتحقيق فكرة الخروج عن المألوف، من هنا اتجه تفكير مشرفة برنامج التوعية بالثقافة العربية والاسلامية السيدة كارولين بيري إلى استقدام خيمة عربية، وعن فهمها لهذه الفكرة حدثتنا قائلة: إن سبب وجود الخيمة يعود إلى أننا نقوم ببرنامج تثقيفي للاطفال الذين ينحدرون من أصول عربية ويقيمون في بريطانيا، اردنا ان نتعرف علىعملية انتقال الثقافات عبر الاجيال رغم عدم عيش هؤلاء الاطفال في أوطان آبائهم، والاشياء المجسمة هي وسيلة ممتازة لاثارة الاسئلة، والخيمة كانت الاجابة لهذه الفكرة، إذ أنهم من خلال زيارتهم لها ومعايشتهم لها سيثيرون الكثير من الاسئلة حول سبل العيش وطرق استخدام مكوناتها وبشكل عام يتعرفون على طريقة معيشة الاجداد ومدى اختلافها عن طريقة معيشتهم اليوم. على أساس هذا الفهم تحركت مشرفة المشروع وأجرت اتصالاتها مع المركز الاعلامي السعودي حيث أبدى مدير المركز د, فواز الدخيل تحمسا للموضوع، ونقل فكرة السيدة كاولين إلى دائرة الاعلام الخارجي في وزارة الاعلام السعودية، والذين بدورهم وضعوا الفكرة موضع التنفيذ وبدعم كامل من سمو الأمير تركي بن سلطان بن عبدالعزيز وكيل الوزارة للاعلام الخارجي والذي تبرع بالخيمة وبتكلفة شحنها، لا بل أرسلت الوزارة شخصا لكي ينصب الخيمة ويدرب موظفي المشروع في المتحف البريطاني على كيفية تفكيكها ونصبها. وعن تلك المرحلة حدثنا الدكتور فواز الدخيل مدير المركز الاعلامي السعودي بلندن فقال: جاءت الفكرة من المتحف البريطاني، حيث ان لديهم ادارة متخصصة بتثقيف البريطانيين بحضارة العرب والمسلمين وبالاخص صغار البريطانيين من تلاميذ المدارس والشباب، ولأن لدينا تجربة معهم في العام الماضي حيث تقدموا لنا بطلب المساهمة بالحديث في فعالية تتحدث عن التاريخ السعودي وقد وافق حينها قسم الاعلام الخارجي في وزارة الاعلام السعودية على الفكرة، وأوفدت ثلاثة من أمهر الباحثين في التراث السعودي هم: الدكتور عبدالرحمن الأنصاري عضو مجلس الشورى وأستاذ التاريخ القديم في جامعة الملك سعود، والدكتور سعد الراشد أستاذ التاريخ الإسلامي ووكيل وزارة المعارف لشؤون الآثار والمتاحف والدكتور أحمد الزيلعي الأستاذ المتخصص في التاريخ القديم, وقد قام هؤلاء بالقاء محاضرات عن تاريخ المملكة والآثار، إلى جانب أساتذة وأكاديميين آخرين, وكان الأمر مشجعاً للطرفين للتعاون لذلك حين اتصلوا بنا بخصوص الخيمة لم ندخر ولا الوزارة جهداً لتنفيذ الفكرة، وكان يوم افتتاحها في شهر فبراير يوماً جميلا ومفرحا للكثير. أجواء أخرى تولد مع الخيمة لم تكن الخيمة وحدها قائمة في المكان، لقد فرشت الخيمة بالسجاجيد والأفرشة محلية الصنع، وامتلأت أطرافها بالمساند، وبدا في ركن منها الموقد ودلال القهوة وأباريق الشاي، كما أقيم في ذلك الركن تشكيل من الرفوف وضع عليه باناقة عدد من دلال القهوة والاباريق، ومبخرة، وأدوات شعبية عديدة بدا بعضها أقرب لاثارة الاسئلة عن وظيفتها، مثل ذلك أزياء شعبية علقت بشكل استعراضي، ومفرشة للطعام مصنوعة من خوص النخيل، أوعية وأوانٍ مصنوعة باليد من مكونات النخيل تقدم أطعمة محلية، وسوى ذلك القهوة والهال والشاي والتمر, حتى ملابس المشرفات على الخيمة بدت تقليدية وتعكس روح الصحراء، لقد كان لطريقة العرض بهذا الشكل اسباب تحاول السيدة كارولين بيري توضيحها قائلة: في تقديمنا لعناصر الثقافة والتراث العربي، نتجنب القوالب الجاهزة ونحاول تحفيز وإثارة عوامل التفكير لدى الطفل، ومن خلال اجابتنا على تساؤلاتهم نحاول أن نشرح لهم ان هناك طرقا أخرى للعيش, فليس كل العرب يعيشون في الخيام، وان كلمة عرب لا تعني الصحراء فقط أو الجمال ، بل انها تعني شعباً له طريقة حياة تميزها الضيافة والروح الاجتماعية الودية، وانهم يفرحون بالضيف، وفي الحقيقة فقد وجدنا لدى هؤلاء الاطفال اجابات مقولبة ومحددة عن الحياة الاجتماعية والعادات العربية. سألتها عن النتيجة التي يخلص إليها الاطفال من خلال مشاهدتهم للخيمة ومحتوياتها فأجابت: يسألنا الأطفال إذا كنا نحن نعيش في مثل هذه الخيمة، وكيف تكون الحياة فيها، ونجيبهم باختصار: نحن شخصياً لا نعيش فيها ولكن هناك اناس يعيشون فيها بصورة طبيعية ينامون، ويأكلون ويتسامرون ويستضيفون أصدقاءهم وضيوفهم كل ذلك في مثل هذه الخيمة. وإلى جانب الخيمة نحن نعرض بوسترات كبيرة توضح العمران والحياة المدنية العصرية في مدن المملكة العربية السعودية، وهي فكرة مقصودة لنسف ما ترسخ لديهم من انتقادات وقوالب جاهزة مغلوطة عن حياة العرب وكمثال نريهم مصباح الزيت العادي بمواجهة بوستر يحتوي صوراً مختلفة للانارة الحديثة، ونخبرهم أيضاً ان الخيمة مصنوعة في مصنع حديث كنتاج للحضارة والتطور الصناعي. لم تكتف المشرفتان في تقديم الخيمة بهذه الصورة، لقد ذهبتا ابعد بتقديم فن شعبي، ودروس علمية تربوية تحت غطاء الخيمة، عن هذا النشاط حدثتنا السيدة سهاد جرار وهي مساعدة المشرفة عن المشروع والأكاديمية المتخصصة بالعادات والتقاليد قائلة: من خلال الخيمة بدأنا نعطي فكرة عن أوجه الحياة والحضارة القديمة، أسلوب الحياة، الفن، الادوات الموسيقية، الضيافة، الملابس وبشكل عام استخدمنا الخيمة كغطاء للقيام بكثير من الفعاليات الثقافية التربوية. لدينا مثلا برنامج القراءة القصص التراثية والفلكلورية، نقوم بالتنسيق مع أولياء الامور وأطفال المدارس، ويقوم قارئ متخصص هو كريس سمث بقراءة قصص تراثية مستوحاة من نوادر جحا مثلاً وغيرها، باللغة الانجليزية لكنها تؤدي رسالة تربوية وثقافية. نقوم بتقديم رقص فلكلوري بملابس محتشمة تتميز بالبساطة والجمال، مزينة بحلي شعبية تعبر عن حياة شعبنا وتاريخه تقوم بتقديمها فنانة جزائرية تدرس الرقص الشعبي ولها عروض في مجمع الباربيكان الثقافي كما قمنا بأسبوع علمي قدمنا فيه فعاليات ونشاطات مختلفة. وهل نجحت الخيمة؟! كان من المقرر للخيمة ان تبقى لمدة لا تزيد عن ثلاثة شهور، ورغم ان زيارات الخيمة هي زيارات مبرمجة ومعد لها مع ادارات المدارس وأولياء الامور، فقد زار الخيمة حتى موعد اجراء التحقيق حوالي (2500) زائر جلسوا فيها، واحتسوا القهوة والشاي وقدّم لهم بعض الغذاء المحلي من تمر، وقرص عمر وجميد ، ونظراً للاقبال الجيد فقد وافقت إدارة المتحف البريطاني على تمديد فترة بقائها حتى منتصف الشهر الحالي، وبعد ذلك ستفكك وتعرض لمدة اسبوع في مدرسة بشمال بريطانيا تنظم اسبوعا للثقافات المختلفة، ثم تعود الخيمة مرة اخرى وتعرض، وهناك طلبات من جمعيات وأندية مختلفة كما اخبرتنا مديرة المشروع ومساعدتها، على استعارة الخيمة واحياء فعاليات ثقافية وفنية فيها او من خلالها، كما قامت عدة جهات اعلامية بزيارتها وتحدثت عنها صحف واذاعات، وفوق ذلك كله فقد نجحت الخيمة في تحريك عملية الوعي السلبي عن حياة العرب وثقافتهم، واثارت اسئلة عديدة بدا بعضها طريفا ومسليا مثل أين يختفي ساكنوها عندما ينزل المطر على الخيمة واستمع هؤلاء الاطفال إلى حقيقة علمية هي ان المطر يشدّ من خيوط الخيمة الصوفية ويمنع التلاصق والتماسك من نفاذ المطر إلى داخل الخيمة، أو مثل هل أنتِ بدوية؟ وهم يرون المشرفتين تلبسان ثياباً بدوية، لكنها على كل حال كانت فرصة ممتازة لاثارة مثل هذه الاسئلة وغيرها. وماذا بعد؟ سألنا المشرفة، وماذا بعد هذا الدور هل ستختفي الخيمة بين جدران المتحف، وهل ستطوى ويذوي فيها عطر الهال والقهوة؟ فأجابتنا قائلة: لا ننوي ان نحفظ الخيمة في مستودعات المتحف، لقد وجدت لتبقى وسنعمل على تجديد برامجنا، واحياء مختلف الفعاليات، من اسابيع علمية إلى زيارات، إلى اعارة الخيمة وغيرها، ونحن نحظى بدعم من مؤسسة سعودية في بريطانيا توفر لنا المواد الغذائية التي نقدمها للضيوف، كما ان إدارة المتحف مرتاحة لاقبال الزوار عليها، وهو سبب تمديد بقائها للآن، إذن فالخيمة ستستمر. خلاصة ان تجربة مشروع الخيمة ونجاحها برأينا، ينبغي أن يؤخذ بشكل عميق في دلالاته المعنوية والتربوية التي استطاعت ان تخاطب العقل الغربي بعناصر ثقافية مجسمة، أفضل من كتب وكتابات وقد يكون مفيداً ان نتحول إلى لغة الاشياء والمجسمات التراثية في تقديم خطابنا الثقافي والحضاري للغرب، ولدينا في ذلك الكثير والكثير حقاً سواء في عالمنا المعاصر أو في تاريخنا بمختلف مراحله.