إنا لله وإنا إليه راجعون منبع عذب يؤوب إليه الصابرون والصابرات، وجدت برده يسري في عروقي ليزيل حرارة الحزن على فقدك يا والدي الحبيب، وجدت حلاوة ذلك المنبع في وجداني تكابد مرارة الاحساس بفراقك أيها الغالي الحبيب. أحسست بهول المفاجأة وأنا أحاول أن أعيش الواقع لحظة أنبأوني برحيلك إلى جوار ربك الكريم. تلفعت بالعجز، والعبرات تتزاحم في صدري تبحث عن مخرج لها من صدري المثقل بلوعة الأسى فلا تجده، وتذكرت عباراتك الصادقة الحنونة تواسينا وأنت المتألم ونحن الأصحاء، حتى حرّضت قلبي على الخفقان دهشةً واعجاباً. تذكرت تلك الابتسامة العذبة التي تغرد على شفتيك فنطرب لها من حولك ونعيش معك، نحتفل بها في سماء الحبور، نتابع حديثك الشيق، وأنت تمطر علينا من العبر والمواعظ ونوادر الحكايات, كم هو مؤلم أن أحس بجفاف ريقي وأنا أتحدث عنك، وكم هو مؤلم أكثر ان لا يبلل الماء ريقي، وتساءلت: إذا غصَّ الإنسان بشيء سارع إلى الماء، ولكن كيف يعمل اذا غصَّ بالماء شاربه؟ تذكرتك وأنت على كرسيِّك المتحرك تستعد للذهاب إلى المسجد متوجهاً بحواسك كلها إلى ربك، لم يمنعك مرضك عن مناجاته عزَّ وجل. تذكرتك وأنت المريض تعظنا وتحدثنا عن الصبر، وتتظاهر أمامنا بالصحة وأنت تقاسي ما تقاسي من الألم في داخلك، وحين تقع أعيننا على ما لا تستطيع اخفائه أو تحمله من الألم كانت عبارتك الخالدة ماجاء من الله حيّاه الله، الحمد لله، لا إله إلا الله ,هل كانت تلك موعظة مودع منك، تريد بها أن تعلِّمنا الصبر وأن تربي فينا الرضا بقدر الله ونعم ما يقضي به سبحانه؟ قبل وفاتك بلحظات ودعتك في المستشفى ولم أكن اعلم أنها النظرة الأخيرة التي ألقيها عليك، وقد شدني إليك ذلك المنظر المهيب، منظر سبابتك وهي تكرر التشهد، بعد أن منعتك أدوات الأطباء من الكلام، وشفتاك تنبسان وتعيدان عبارات الشهادة, الحمد لله رب العالمين تتالت البشارات لك، والدي العزيز فأفرحتنا وعوضتنا فيك خيراً، فنحن نحتسبك عند الله من الفائزين ان شاء الله تعالى:كان رحيلك عن هذه الدنيا الفانية في آخر ساعة من يوم الجمعة الفاضلة، فنعم الساعة هذه الساعة مبشرة بخير ختام,كان رحيلك وأنت تكرر الشهادة بسبابتك وبشفتيك وبقلبك، فنعم الخاتمة الحسنة هذه الخاتمة، وقد بشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان من كان آخر كلامه من الدنيا (لا إله إلا الله) دخل الجنة. كان رحيلك من فراش المرض وقد قاسيت كثيراً من ألم البطن، وقد بشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المبطون في الجنة. أحببناك ولسنا أولادك وأحفادك من البنين والبنات وحدنا من أحبك، فكثيرون تلتفُّ قلوبهم حولك، وأنت مريض تدعو لك بالشفاء، ويوم نزل قضاء الله ولا رادَّ لقضائه يترحمون عليك ويدعون لك بالجنة مثوى ونعيماً. عرفك محبوك عف اللسان حنون القلب قريب الدمعة تأثراً بمن حولك وتفاعلاً معهم، ومشاركاً في أفراحهم وأتراحهم، متواضعاً لصغيرهم وكبيرهم، تسأل عن كل فرد منهم والدمعة المشتاقة إليهم تسابق كلماتك. عرفوك ونوادرك العفيفة وتعليقاتك المحببة تزين كل مجلس تتصدره، بما لا يجرح أحداً ولا يؤذي مسلماً، تنبسط لك الأسارير، وتهفو إليك التطلعات. ودّعناك من جوارنا، جوار محبيك، منتقلاً إلى أكرم جوار، فاهنأ إن شاء الله بخير جوار. ودعناك وذكراك تعطر جوانحنا,, ودعناك ومحبتك تملأ كل ذرة من كياننا,, ودعناك داعين الله أن يخلفك علينا بالعقب الصالح الذي يترسم خطاك، وأن يخلفنا عليك بجنة الواحد المنّان. لا نقول إلا ما يقوله الصابرون المحتسبون إرضاءً للرحمن إنا لله وإنا إليه راجعون .