الموت حق، ونصيب واصل لكل حي من الثقلين، وحقيقة لا يماري فيها مسلم ولا كافر ومن الناس من يكون موته فاجعة على الناس كما أن هناك من لا يؤبه له، وهناك والعياذ بالله من يكون موته فرحة لأهل الأرض، كما أخبر بذلك الصادق صلى الله عليه وسلم في قوله في الحديث الصحيح: (مستريح ومستراح منه، العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا واذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر تستريح منه العباد والشجر والدواب) فبم تمايزت درجات الناس حتى في الموت؟ السر في هذا هو في مقدار ما ينطوي عليه الإنسان من خير وفضل ونية حسنة ومقصد نبيل وارادة طيبة وما ينتجه من أعمال مثمرة وأفعال صالحة، ولولا ذلك لاستوى الطيب والخبيث، ولكن قبوله وحبه لبعض عباده لا من أجل احسابهم أو إنسابهم أو اموالهم أو شهاداتهم ومناصبهم بل من أجل ما وقر في قلوبهم وما صدق من اعمالهم الخيرة الطيبة وها نحن نرى هذه الأيام مصداق هذه القضية في وفاة الشيخ الزاهد العابد/ الغفيلي بن صنيتان بن بديد العضياني نحسبه كذلك والله حسيبه. إصبر على كل مصيبة وتجلد واعلم أن الدهر غير مخلد أو ما ترى أن الحوادث جمة وترى المنية للعياد بمرصد وإذا اتتك مصيبة تشجي بها فاذكر مصابك بالنبي محمد إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع وإنا على فراقك لمحزنون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، رحمك الله يا والدنا فكل القلوب نارها تتأجج وكل الألسن لك تلهج اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منها وحسبنا الله ونعم الوكيل. قال الله تعالى: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ) قيل لابن عباس رضي الله عنه: وهل تبكي السماء على أحد؟ قال نعم أنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء منه ينزل رزقه وفيه يصعد عمله فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله وينزل منه رزقه بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله فيها بكت عليه، لقد مات رحمه الله رحمة واسعة صبيحة يوم الأحد الموافق 7-10-1427ه مات الجسد وبقيت سيرته العطرة وكلماته الرصينة، مات صاحب العقيدة الصلبة النقية السلفية وصاحب الخلق الحسن والسلوك القويم والتودد إلى الخلق والصفح عن المعتدي والاعراض عن الجاهل ومحبته لهداية الخلق أجمعين، وماذا عسى أن اكتب وماذا يا ترى سنجلي من عظمة هذا الشيخ العابد والبحر الفهامة ولكنها إشارات عابرة وخواطر موجزة، لقد كان الشيخ - رحمه الله - رضي الخلق، حسن السمت، لطيف التعامل، خفيف الظل، دائم الابتسامة، مشرق الوجه، متهلل الجبين، لين الجانب، مهذب العبارة، لا يستكبر ولا يتعاظم، حقياً بالعلماء ذاكراً لفضلهم. متأسياً بهم، مترحماً عليهم، مناضلا عن جنابهم ذانداً عن حياضهم، آخذاً عنهم أحسن السمات وتحلى بأجمل الأخلاق ولا يدخر وسعاً، ولا يعرف كللا، ولا يفتر عن نهجه ولا يبخل بعونه، عنصر كريم، ومعدن شرف عظيم، اصل راسخ وفرع شامخ، ومجد باذخ، متأن في كلامه، محترم لمحبيه، معتن بمريديه، مكرم لمجيئيه، مسعد لمسامريه، مؤنس لمجالسيه، عالي الهمة، عظيم الغيرة، ساكن الهيبة، رقيق الحاشية، خفيض الصوت، ذكي الفؤاد وهبه الله صفاء النية وسلامة الطوية كما نحسبه - وحسن التأني مع كريم الخلق، وطيب التعامل ونقاء السيرة، وحسن الابانة وعميق الديانة، وأداء الأمانة وكسب القلوب وعنوان اللطف والعفو والتسامح، كان رحمه الله تعالى فيما نحسبه من حزب الله المفلحين وأوليائه الناصحين، من السباقين إلى فعل الخيرات وترك المنكرات، كان رحمه الله تعالى صواماً قواماً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر قد بذل جهده ووقته وماله وجاهه في الله ولله فرحمه الله رحمة واسعة. اللهم اغفر ذنبه، وارفع درجته، واكرم نزله، ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، واجمعنا به في جنات النعيم، اللهم اجعله من المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله.