كتب الأخ عبدالعزيز بن عبدالله الحمود في هذه الصفحة الموقرة بالعدد رقم 12432 مقالاً بعنوان (طاش 14 إلى أين؟) انتقد فيه بعض سقطات هذا المسلسل.. وأقول: إننا في الحقيقة لا ننكر أبداً أننا شغفنا في البداية بظهور المسلسل المحلي (طاش ما طاش)؛ وذلك لأنه استغل في بداية ظهوره عدم وجود دراما محلية واضحة تستعرض قضايانا وتعرض مشاكلنا اليومية، ولأنه مسلسل جاء ليقفز فوق الحواجز الوهمية التي كان قد وضعها البعض من الناس في السابق بحجة التهويل وصعوبة الخوض في هذا الموضوع أو ذاك.. هذا المسلسل ظل لسنوات طويلة هو الفاكهة التي ينتظرها المواطن بشغف وكأنها أصبحت جزءاً من مائدة الإفطار في شهر رمضان، وأصبح كل فرد يعتبره ضرورة من ضرورات برامج التلفزيون السعودي في هذا الشهر. غير أننا لاحظنا أنه في السنتين الأخيرتين، وفي تلك السنة بالذات التي خرج فيها هذا المسلسل من عباءة القناة الأولى إلى كنف قناة فضائية أخرى، قد تحول نتيجة لذلك تسعين درجة الى مسار آخر جديد وغريب جداً على المجتمع السعودي المحافظ، ولا ندري هل لأن هذه القناة اشترت حقوق عرضه فأصبح لزاماً عليه أن يسير في ركبها وأن يساير خطتها وشروطها باعتبارها قناة فضائية تبث للجميع ولا تتقيد بأبجديات مشاهد معين أو لأنه أصبح يتكرر كل عام حتى وصل عمره في هذا العام الى أربع عشرة سنة فأصبح نتيجة لهذا كمن يدور في حلقة مفرغة من تكرار لكل شيء ابتداء من نفس الممثلين وانتهاء بنفس شخصيات العمل إلى درجة أصابت المشاهد السعودي والخليجي بالمملل منه، الأمر الذي اعتقد انه أدى الى محاولة انتشاله بتغيير هذا الرتم الذي يسير عليه الى منحى آخر وإن كان فيه نوع من التجاوز للخطوط الحمراء وتعدٍ على بعض القيم والعادات.. فلماذا أصبح طاش 14 لهذا العام مثار انتقاد كبير من شريحة كبيرة من النقاد والأقلام والكتاب؟.. ولي بعض الرؤى عن طاش أسردها فيما يلي: 1- أي عمل فني عربي هو انعكاس لصورة هذا المجتمع أمام الجميع.. فنحن نعيش حالياً في عصر كم كبير من الفضائيات، وفي كون يتسع للجميع، وهذه القناة التي يعرض فيها طاش هذا العام لها ملايين من المشاهدين في كل مكان من العالم ويتابعها الكثيرون في مشارق الأرض ومغاربها؛ لذا فإن أي دراما تأتي من إنتاج دولة ما فإنها تعرض قيم وعادات وتقاليد هذا الشعب للعالم، وأي تشويه في صورته هو تشويه لسمعته أمام الكثيرين، وهذا ما فعله طاش هذا العام إذ صور الإرهاب بأنه منتج سعودي، وان الشباب السعودي مستهتر ومعاكس وغرائزي، وأن الفتيات السعوديات مكبوتات في الداخل ومتحررات في الخارج كما حدث في حلقات (وراهم وراهم، البلوتوث، رسائل sms، سور الحريم..). 2- نفتخر بأننا في بلاد أنعم الله عليها بوجود الحرمين الشريفين، وأنها قبلة المسلمين، ومنها خرج النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن في بلادنا الدعاة والملتزمين، وأن فيها بلاد الكرم والعطاء.. واذا كان قد خرج منها ثلاثة أو اربعة أو عشرة أشخاص متطرفين شذوا عن العوام فإن هذا لا يحق لمسلسل مشاهد من قبل الجميع أن يصور الملتزم بأنه إرهابي أمام المشاهدين العرب.. فهذا غير صحيح أبداً؛ فلكل قاعدة شواذ، والشاذ لا يعمم، وذلك كما حدث في حلقة (إرهاب أكاديمي). 3- بعض الفضائيات الأوروبية تضع قبل عرضها فيلما لا يخلو من لقطات او كلمات بذيئة رمزا أو عنفا أو رعبا في أسفل أو أعلى الشاشة ما يدل على أن هذا المسلسل لا يصلح لمن يقل عمره عن 15 أو 18 سنة، كما ان بعضها تؤجل عرض مثل هذه المسلسلات إلى آخر الليل حتى يشاهدها الكبار ويكون الأطفال قد ناموا.. لكن في طاش ما طاش هذا العام أصبح أرباب الأسر يتفاجؤون في كل حلقة بشيء خارج عن المألوف؛ ما يجعلهم يضطرون للإمساك بالريموت طوال العرض خوفاً من كلمة طائشة أو لقطة مثيرة وذلك كما حدث في حلقة (وراهم وراهم) دون مراعاة لمشاعر المشاهدين، وفي حلقة (بلوتوث)، وفي حلقة سفرهم للبنان.. هذه الحلقات وغيرها كانت مثار تساؤل الصغار قبل الكبار عن كل كلمة أو لقطة عرضت فيها.. فأين احترام الذوق يا طاش؟. 4- تنوع الدراما العربية ووصولها إلى مراتب النجاح، وذلك كما فعلته الدراما السورية التي أصبحت الآن تنافس الدراما المصرية رغم أنها سبقتها بسنوات طويلة، فهي تتحفنا كل عام بعملين أو ثلاث من المسلسلات التاريخية (كالزير سالم والحجاج وخالد بن الوليد والأمين والمأمون) والمسلسلات المتنوعة (كمرايا، والجوارح، والكواسر، وليالي الصالحية، وباب الحارة ورأس غليص ويوميات مدير عام..) وغيرها من المسلسلات الناجحة، والذي ذكرته مجرد غيض من فيض. وهنا نطرح السؤال: لماذا تقوقع العمل المحلي كل عام في (طاش ما طاش)؛ ما ساهم في تكرار شخصياته وممثليه وعدد من حلقاته؟ ألعدم توافر إمكانيات لدى أبطال هذا العمل يمكن أن توظف في عمل آخر؟. أخيراً قال بعض النقاد إن التلفزيون السعودي فرط في هذا المسلسل؛ ما جعله يتجه الى قناة أخرى.. وهذا غير صحيح؛ فالمسلسل دفع له ملايين الريالات وهذه القناة دفعت، فحق لها ان تحصل على حقوق بث هذا المسلسل. الشيء الآخر قول كثيرين إن هذا المسلسل يعرض قضايانا ويوجد لها حلولا، وهو أمر غير صحيح أبداً، والحقيقة التي شاهدناها أن هذا المسلسل طيلة عرضه في السنوات الماضية لم يكن يعرض إلا مشاكلنا بطريقة ساخرة واستفزازية ولم يأتِ في يوم من الأيام بعرض حلول لهذه القضايا في نهاية كل حلقة، بل إنه تسبب في نتائج عكسية كحلقات التفحيط والمعاكسات وغيرها.. وأتمنى في السنوات القادمة ألا يكون من أعمالنا السعودية فقط (طاش ما طاش) وإنما نقدم الكثير الذي اعتقد انه موجود لدينا خاصة أننا نمتلك الطاقات الشبابية الإبداعية من الممثلين والمخرجين والمنتجين.. ويبقى لدينا فقط مشكلة كاتب السيناريو التي اعتقد انها مسألة وقت ونستطيع التغلب عليها. محمد بن راكد العنزي