ألف سنة غائبة مكثت في أعماق المجهول تنتظر متى ينهض لبعثها ونحتها واستنباتها من جديد لحضارة إسلامية عريقة بمختلف الفنون والعلوم سادت العالم وازدهرت وامتُصت مصادر قوتها وقدرتها عند ضعفها حيث مضت عن إكراه وحاول الكثير - وحتى من بعض أبنائها - طمس معالمها الحضارية، ولم ينتبه إلى ما وصلت إليه تلك الأمة المتحضرة إلا القليل الذين ما زال الولاء الحضاري والتراث الأصيل متأصلا بهم بالرغم مما وصلت إليه الأمة الإسلامية الآن من ضعف في قدرتها على اللحاق بالمركب التكنولوجي الحديث. وجاء معرض (ألف اختراع واختراع) كأول عنصر حضاري إسلامي قادم من بلاد الغربة فائق الجودة ومتين، وذلك العنصر ليس موجوداً في الجدول الدوري للعناصر الكيميائية الحديثة ولكنه متواجد في (الجدول الدوري الحضاري) الجديد لعالمنا اليوم الذي تبناه علماء مسلمون معاصرون وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور سليم الحسني الذي كتبنا عن سيرته العطرة في المقال السابق. والمعرض نُظم تحت شعار 1001 اختراع (اكتشف التراث الإسلامي في عالمنا المعاصر). اُفتتح ذلك المعرض في مدينة مانشستر في بريطانيا، وشارك في الافتتاح مسؤولون بريطانيون، كما شارك السفير السعودي في بريطانيا وأيرلندا الأمير محمد بن نواف بن عبدالعزيز آل سعود، وقد ألقى كلمة في هذه المناسبة أشار فيها إلى دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - يحفظه الله - لعلماء الأمة الإسلامية للاجتماع في مكةالمكرمة قبيل عيد الأضحى من العام الماضي.. ومضى سموه يقول: (إن خادم الحرمين الشريفين أكد أهمية أن يقوم الشباب المسلم بالسير على خطى المخترعين والمفكرين وعلماء المسلمين الأوائل، بل وتشجيع الشباب على لعب دور بناء في التطور التقني الحديث لصالح تنمية وتطوير العالم وليس لصالح تدميره)، ودعا سموه إلى مساعدة النشء الجديد وتشجيعه على دراسة العلوم بأنواعها وإطلاع النشء المسلم على الإنجازات التي حققها الأجداد المسلمون في مجالات علمية مختلفة، كما أعرب سموه عن سعادته للمشاركة في افتتاح المعرض الذي يتحدث عن إسهامات علماء المسلمين في الحضارة الإسلامية والحضارة الإنسانية، وقال: (إن المعرض بادرة طيبة نرجو أن تحقق أهدافها في إبراز إسهامات المسلمين في التطور الذي يشهده عالمنا اليوم). من جانبه نوه وزير الدولة البريطاني السابق المسؤول عن الملف الإسلامي في الخارجية مايك أوبريان بما قدمه علماء المسلمين الأوائل من إسهامات ومخترعات للبشرية أدت إلى تطوير الحضارة الإنسانية المعاصرة، مشيراً بهذا الصدد إلى المجالات التي تفوق فيها العلماء المسلمون في مجالات الكيمياء والهندسة والجبر والرياضيات والفلك واللغة وغيرها في وقت كانت فيه أوروبا تعيش في عصور الظلام. وفي غضون ذلك أعرب معالي الأمين العام لمنظمة العالم الإسلامي الدكتور أكمل الدين إحسان عن ارتياحه لانعقاد المعرض في إنجلترا، وقال إن انعقاده جاء في المكان والزمان المناسبين حيث تنتشر ظاهرة التخوف من الإسلام في العديد من دول الغرب، مبيناً أن للمعرض قيمة عالمية عالية جداً؛ لأنه يكشف عن جانب مهم من الحضارة الإسلامية. إن الأسلوب والفكرة اللذين قام عليهما المعرض في إحياء الجانب العلمي والتقني للعلماء العباقرة المسلمين بواسطة الفريق العلمي الذين قاموا بإنشائه وتأسيسه مثل الخياط الماهر الذي لديه ثوب قديم ومرقع؛ إذ عمد إلى صناعة ثوب جديد من هذا القماش البائد مع المحاولة الجادة والرصينة وفق المنهجية العلمية ألا يضيع خيطا واحدا بالرغم من أن الكثير من تلك الخيوط لا تزال مفقودة؛ إذ رفع الحجاب عن مئات الإبداعات والاكتشافات (المخطوطات) التي اُستنبتت عن طريق علمائنا، وبالتالي يعتبر المعرض من وجهة نظر الكاتب كالإنزيم الذي يعالج من به عقدة الانبهار بالغرب وفقدان الاسقلالية في الفكر والتفكير، ومضاعفات ذلك في التبعية التي ترسخت في أذهانهم، ولسان حال المعرض يقول (من لديه شك فيما وصلت إليه الحضارة الإسلامية وأثرها في العالم آنذاك وعلى حاضرنا المعاصر ومستقبلنا عليه أن يزور أجنحته ويرى بأم عينيه تلك الحضارة العظيمة.. والعلماء العباقرة الذين صنعوا لأجيالهم الحياة، وطوروا تقنيات جديدة تناسب ذلك الزمن والأزمان التي تليه إلى يومنا هذا)، ومثال على ذلك عملية التقطير الذي اكتشفها العالم المسلم جابر بن حيان والتي تستخدم اليوم في أكثر من أربعة آلاف مجال منها تقطير النفط، فالمعرض عبارة عن خليط متجانس من عناصر التاريخ والفن والصناعات والرياضيات والفلك والكيمياء وغيرها، وعلى خلاف الحضارات الأخرى يثبت المعرض أن الحضارة الإسلامية لم تلغ الحضارات الأخرى كاليونانية والصينية والهندية وغيرها عن طريق نشره الكثير من الأبحاث والصناعات التقنية العظيمية التي صممها العلماء المسلمون، وزيادة على ذلك برز في أروقة المعرض اسم المرأة المسلمة العالمة والباحثة ومثل ذلك العالمة فاطمة الفهرية. ويهدف المعرض المتجول (ألف اختراع واختراع) الذي سوف يتجول في مدن بريطانية وأوروبية إلى تبيين إسهامات علماء المسلمين في الحضارة الغربية والتقريب بين حضارات الشرق والغرب، وكذلك يستهدف طلبة المدارس في المدارس البريطانية الذين يجهلون أي تاريخ يرجع إلى العلوم الإسلامية، وتذكير شباب المسلمين وتشجيعهم واقتفاء آثار أجدادهم، وأن يبتعدوا عن الأشياء التي لا تنفع ولا تفيد وكيف أن هؤلاء العظام قد توصلوا إلى تلك الاكتشافات العظيمة في ظروف قاسية وصعبة، وأيضاً يكشف المعرض الحضارة الإسلامية المشرفة وإسهاماتها في العصور المظلمة في التاريخ الأوروبي في كل جزء من أجزائه، ويوجه المعرض رسالة قوية لمن يتنكر من بعض العرب والمسلمين لتاريخ الإنجازات والاكتشافات في مختلف العلوم والفنون والهندسة. وأخيراً، نريد استنساخ هذا المعرض في كل أرجاء العالم؛ فلدينا الإمكانيات المادية لذلك، بل نريده في تعليمنا في مدارسنا ليعرف الصغار قبل الكبار من هو الخوارزمي وعمر الخيام والحسن بن الهيثم والرازي والبيروني وأبو الوفاء البوزجاني وثابت بن قرة وغيرهم، نريد من القنوات الفضائية بدلا من عرض مسلسلات (ألف ليلة وليلة) التي أصبحت علامة فارقة لأمتنا وقصة الحب والغرام و(التلويث الفكري) للتاريخ الإسلامي الذي أفسد عقول شبابنا، عرض العنصر الجديد (ألف اختراع واختراع) في المعارض الدورية ذات الصلة، واستقطابه في مهرجان الجنادرية، بطريقة تؤكد على اهتمامنا بالتراث العربي الإسلامي، كذلك يمكن الاستفادة من ذلك المعرض في إعداد مسابقات رمضان للصغار والكبار. كما نريد اختراع عناصر جديدة مستقبلاً لبناء موسوعة تاريخية للعلوم العربية والإسلامية وتكوين (الجدول الدوري الحضاري الإسلامي) الجديد، لنكمل ما انتهى به هؤلاء العباقرة العظام. [email protected]