الأيام التي تقف عندها الشعوب إحياءً لذكرى أواحتفاءً بمناسبة ، يمكن الإشارة إليها على أنها أيام مضيئة في تاريخها ، وما نتوقف عنده ونتذكره نحن في المملكة العربية السعودية ليس كما يتذكره غيرنا ، فيومنا الوطني ليس يوماً يؤرخ لانقلاب أو لثورة أو لمعركة وإنما يؤرخ لوحدة وطن وقيام دولة. من المُتفرِّق إلى الواحد ومن المُهْمَلِ إلى المُؤثِّر ومن الخامل إلى الحَيَويِّ ، هذه هي حركة التَّغيُّر التي أعان الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود على القيام بها، في واحدة من أهم المناطق بالنسبة للعالم كله ، دينيًا ، واقتصادياً، وسياسياً. قصة التأسيس والبناء والوحدة كلها في النهاية معجزة كبرى أرادها الله أن تتحقق لهذه الأرض المباركة، بعد أن عاشت طويلاً خارج المعادلات والتحركات الدولية ، فلقد حمى سبحانه الجزيرة العربية من أي مَدٍّ استعماري رغم اتساع حركة الأطماع وحمى مقدساتها وأراضيها ، ومنحها من الخير والحماية أقصاها حين مكَّن للمؤسس - طيب الله ثراه - أن يقيم واحدة من أعظم التجارب التي عرفها القرن العشرون تأسيساً وبناءً وتنمية. إذن .. فحين نتحدث عن اليوم الوطني ونحتفي به فنحن نحتفي بتحول تاريخي وبناء تأسيسي وبصرح وحَّد أرض الجزيرة العربية ، وانتقل بها من ظلمات الشتات والتفرق والتناحر إلى الدولة والنظام والتآخي، في اجتماع تتعدد فيه الأطياف والمناطق والأفكار ليمثل هذا التعدد إحدى أبرز الطاقات الكامنة التي يحملها الوطن. في اليوم الوطني .. نعيش ذكرى الوحدة والإنجاز التاريخي ، نقرأ التأسيس كل عام في ضوء ما تحقق ، ونعيش انطلاق مسيرة البناء والتنمية. في اليوم الوطني نتلمس وجوهنا وملامحنا السعودية التي تحمل ولاءً وعرفاناً وامتناناً لله.. أولاً أن سهَّل لنا هذا الوطن الكبير ، وأن أمدنا فيه بالقيادات والعقول التي استطاعت رغم كل الظروف والصعاب أن تواصل بناء هذه الدولة وبناء الإنسان فيها. في اليوم الوطني .. نتذكر الامتداد التاريخي السعودي الذي استطاع رغم عمره الوجيز أن يشكل ملامح بارزة على المستويين العربي والعالمي سبق فيها كثيراً من الكيانات القديمة. فحين جاء الملك عبدالعزيز رحمه الله إلى أرض تعيش في كل معطياتها وأفكارها على حياة وفكر ما قبل الدولة قرر أن يتحرك في البناء والإعمار باتجاهين : الاتجاه التنموي واتجاه بناء الإنسان وتحويل مفاهيم الوطن والدولة والمؤسسة إلى مفاهيم شائعة تحل مكان المفاهيم السابقة ، وكان يعد من الرجال من هم في موقع الثقة والمسؤولية ليحملوا الأمانة من بعده ، وليواصلوا قيادة السفينة إلى بر الأمان وإلى كل ما هو خير وتنموي ومستقبلي. إن التعاقب الذي شهده التاريخ السعودي لأبناء الراحل المؤسس من ملوك كان كل واحد منهم امتداداً حقيقياً لمن قبله وفق القيم السعودية العليا التي لا يمكن الرهان عليها أو التهاون فيها وأهمها: الشريعة الإسلامية والوحدة الوطنية . إذ شهدت فترة الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله الكثير من الإصلاحات من خلال حرصه على وضع كثير من التنظيمات الإدارية ، وكذلك فترة الملك فيصل رحمه الله عاصرت كثيراً من الأحداث العالمية والظروف المحيطة وبقيت السياسة الحكيمة التي وضعها المؤسس هي المنار الذي اهتدى به الجميع ، واستطاعوا أن يديروا بها من الملفات والأزمات ما عجزت عنه كثير من الكيانات ، وفي الوقت نفسه حرصوا على تنمية داخلية للمجتمع. كذلك كانت فترة الملك خالد - رحمه الله - بها الكثير من الإنجازات على مختلف الصعد فاهتم بالتعليم الجامعي ووقف خلف النهضة الزراعية الكبرى التي شهدتها المملكة وأنشأ الهيئة الملكية بالجبيل وينبع وأصدر نظام المعيشة للطلاب في مختلف المراحل الدراسية ، بالإضافة إلى الكثير من المشاريع التي لم يثنه عنها ما شهده عصره من أزمات وأحداث ، كالفتنة البغيضة التي وقعت من قبل بعض الخارجين ومحاولتهم اقتحام الحرم المكي، والذي استطاع أن يديرها بكل حزم وقوة للحفاظ على أمن المجتمع وسلامه. ثم أخذت حركة البناء مداها الكبير في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله ، الذي يمكن بكل ثقة القول بأنه باني الدولة الحديثة في المملكة ، حيث كانت فترة حكمه هي الفترة التي دخل فيها العالم بأكمله مرحلة الطفرات التقنية والاقتصادية ، وكل الأجيال السعودية تعلم أن الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله ، هو الذي أدار عملية التحديث فقد ركز جهده على بناء المواطن واهتم بالتعليم الذي كان أول وزير له في المملكة ، ووضع النظام الأساسي للحكم ، ونظام مجلس الشورى ونظام المناطق وقاد الوطن السعودي خلال فرة حكمه الزاهرة حتى اختاره الله إلى جواره. ورغم الحزن الذي يعيشه الوطن حين يفقد أياً من أركانه ، فإن الأمل كبير في الأرض التي أنبتت الخير والبناء والرجال لأنها قادرة على أن تقيم من العقول ما يحافظ على استمرار هذا الكيان ورعايته ، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز سليل المجد والعزة هو الامتداد لكل الخير والبناء الذي عرفه السعوديون في ملوكهم ، وهو امتداد للخير والحكمة والثوابت التي وضعها المؤسس رحمه الله ، مما يعني أن المسيرة السعودية واحدة منذ بدأت وستظل بإذن الله ، فكل قائد هو امتداد لسابقه وابتداء لمرحلة جديدة من التطوير. خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - حفظه الله - الرجل الذي جابه التطرف والعنف وأقام برامج البعثات ونهض بالاقتصاد والحياة ، وأسس للحوار والتآخي والفكر الوطني والشخصية السعودية الوسطية ، وناهض الفقر والعوز وجعل من نفسه سنداً للجميع ونموذجاً للأفكار الوطنية المنطلقة من الثوابت والساعية إلى المستقبل المنير ، يقف إلى جواره ساعده وساعد الوطن بأكمله رجل الخير والدفاع صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولياً للعهد وولياً للخير والعطاء والسعي إلى النهوض بكل مافيه مصلحة للوطن وللمواطنين. هكذا هي الأرض السعودية الطاهرة ، بقادتها وبشعبها مثال للتلاحم والتعاون ، وهكذا هو يومنا الوطني الذي ستظل ذكراه وسيظل حضوره محفزاً للتأمل وللتوقف أمام تاريخ تحمله الأيام مستنيرة بعزته ونجاحه.