تفخر وزارة التربية والتعليم في وطننا العزيز المملكة العربية السعودية بالعديد من القيادات التربوية المتميِّزة والمخلصة التي ساهمت في بناء خطط التعليم وصنعت إنجازاته وكان لها الأثر الكبير في النهضة التعليمية والتربوية والعلمية التي يعيشها وطننا وأبناؤه، والتي وجدت الرعاية والدعم والاهتمام من ولاة الأمر - حفظهم الله - ولا تزال، ومن هؤلاء الرجال الأوفياء الدكتور محمد بن سعد العصيمي وكيل وزارة التربية والتعليم للتطوير التربوي سابقاً، الذي ودعه الميدان التربوي مع بزوغ فجر اليوم الأشهر في تاريخ الحياة الوظيفية، غرة شهر رجب بعد سنوات مثمرة بالعطاء والعمل قضاها في خدمة دينه وأمته ووطنه، وساهم مع زملائه في صنع العديد من الإنجازات التربوية والتعليمية بدأها منذ عام 1392ه عندما التحق بوزارة التربية والتعليم معلماً للغة الإنجليزية، ثم مديراً عاماً للبحوث التربوية، ثم مديراً عاماً للإشراف التربوي والتدريب، ثم مديراً عاماً للتوجيه والإرشاد، ثم وكيلاً مساعداً لشؤون الطلاب، ثم أميناً عاماً للجنة العليا لسياسة التعليم، وأخيراً وكيلاً للتطوير التربوي إلى أن تقاعد هذا العام 1427ه، وبما أن هذا المربي الفاضل قد غادر موقعه في وزارة التربية والتعليم فيحق لي وقد تشرّفت بالعمل معه أن أقول الحق وأشهد به على إنسانية، وصلاح، وتقوى، ودماثة خلق هذا القائد التربوي، وإخلاصه الجم لدينه وقادته، ووطنه، وحبه لعمله وتفانيه في أداء الواجب دون كلل أو ملل مما جعله يحقق سجلاً تربوياً حافلاً بالإنجازات والبرامج والأنشطة والعطاءات المضيئة التي لن يحيط برصدها هذا المقال لكثرتها، والتي سوف يحفظها له تاريخ التربية في هذا الوطن الخيِّر، وسوف ينال أجرها - بإذن الله - فقد كان الدكتور محمد العصيمي قدوة صالحة لمن يعمل معه، يسابقهم إلى العمل بجد واجتهاد، ويحثهم على فعل الخير وطلب العلم، ويشجعهم على إنجاز مسؤولياتهم في العمل ودقته التي لا يختلف أحد على أنها سمة مميزة له، بارعاً في أنماط ودقائق العمل التربوي والتعليمي، لا يحب أن يرى موظفاً ينشغل عن عمله، يغضب عندما يظلم أي طالب أو يقصر في تعليمه أو تربيته، يحضر إلى عمله مع أول الحاضرين، وينصرف مع صلاة العصر إن لم يكن بعدها في كثير من الأحيان مصطحباً معه الأعمال والمشروعات التي تحتاج إلى دراسة ومراجعة ليقضي باقي يومه في إنجازها، رجل قدوة في الأدب والتواضع، صادق في نيته، يحب لإخوانه ما يحب لنفسه، يسعى دائماً في خدمتهم متمثلاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أحب الناس إلى الله أنفعهم لعباده). شهدت له العديد من المواقف الإنسانية التي يتجلَّى فيها خلق المسلم وتواضعه وحسن تعامله، كان بشوشاً في استقبال مراجعيه في الوزارة وزملائه، كريماً معهم، يتلمس احتياجاتهم ويلبّي طلباتهم، ويسعى في خدمتهم، يعاملهم بكل أدب واحترام لا ينظر إلى منصبه إلا كفرد في منظومة العمل التربوي. كان أبو عبدالله - وفقه الله - نموذجاً في تعامله وتصرفاته وانضباطه، مخلصاً لأصدقائه وزملائه في وزارة التربية والتعليم كما هو مخلص في عمله، يفرح لإنجازهم، ويشاركهم مناسباتهم رغم تعدد مسؤولياته، ينادي بالعدل بينهم، محباً لكل عمل صالح لهم، يتعامل معهم بكل رفق وأدب مستمداً ذلك من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الدين المعاملة). كان مثلاً للرجل النزيه الذي لا يستغل منصبه لأي غرض شخصي، ولا يمس أحداً بسوء، ولذلك كسب محبة وثناء جميع الناس، وأدعو الله تعالى أن يكون ممن تحقق فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: إني أحب فلاناً فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض)، وقد وجّه لزملائه في وزارة التربية والتعليم رسالة تربوية مؤثِّرة بمناسبة تقاعده جاء فيها: (... وكنتم خير سند لي بعد الله تقوّمونني متى أخطأت، وتسدونني نحو الكمال الذي ننشده جميعاً فجزاكم الله عني خير الجزاء على ما قدّمتم، وجعل ما تضافرت فيه الجهود مباركاً أينما كان، وأن ينفع به البلاد والعباد، ويجعله قرة عين لكل مخلص لهذا الوطن ولأهله...). وفي الختام فإننا مهما قدّمنا من الشكر والعرفان لهذا القائد التربوي والمواطن المخلص فلن نوفيه حقه، ولكن أسأل المولى عزَّ وجلَّ لنا وله العمل الصالح، وحسن النية، وأن يمتعه الله بالصحة والعافية وطول العمر وحسن العمل، وأن يجزيه خير الجزاء على ما قدّم، كما أسأله تعالى أن يكافئه على أعماله الجليلة وجهوده المباركة بصلاح ذريته، وسعة رزقه، ورفع درجاته في الدنيا والآخرة. والله من وراء القصد،،، [email protected]