المناعة: هي القدرة التي منحها الله للإنسان ليميز بها ما هو غريب عنه ومن ثم التحرك باتجاه القضاء على هذا العنصر الغريب، وتتم هذه العملية عبر سلسلة معقدة من العمليات التي تؤدي إلى القضاء مباشرة على مثل هذا النوع من الأجسام في حال دخولها مرة ثانية للجسم، وعلى هذا الأساس يرتكز مبدأ التمنيع الذي ينقسم إلى تمنيع منفصل بإعطاء أجسام مضادة جاهزة وهذا النوع يكون أمده قصيراً، أما النوع الثاني فهو التمنيع الفاعل ويتم بإعطاء التطعيمات، وللحديث بشكل موسع حول هذا الموضوع وأهميته التقينا الدكتورة حفيظة الحلبي استشارية طب الأطفال بمركز الدكتور سليمان الحبيب الطبي. * د. حفيظة.. لماذا تعطى التطعيمات؟ - تحمي التطعيمات من الأمراض المعدية التي من الممكن أن تتسبب بأمراض خطيرة وتؤدي إلى الموت في بعض الأحيان، ويعطى التطعيم عادة عن طريق الحقن أو الفم، وتحتوي التطعيمات على جراثيم ضعيفة أو ميتة لنفس الجراثيم المسببة للأمراض المراد التحصين ضدها والتي يستطيع الجسم السيطرة عليها ومن ثم بناء مناعة ضدها وبهذا يكون تم تكوين أجسام مضادة تساعد الجسم على التعرف على الجراثيم وبالتالي منع المرض من الحدوث إذا تعرض الشخص لعدوى في المستقبل. * لقد ذكرتِ أن التطعيمات تحتوي على جراثيم ضعيفة أو ميتة لنفس الجراثيم المسببة للأمراض المراد التحصين ضدها، فهل لهذا أي تأثير جانبي على الأطفال بعد تناول جرعة التطعيم؟ - لا تسبب التطعيمات لأغلب الحالات أي آثار جانبية شديدة، ولكن بعض التطعيمات ربما تتسبب بعض الألم البسيط والورم في موقع الحقن، كما أن بعض الأطفال يصابون بحمى بسيطة ويحتمل أن يشعروا بالنعاس أو أن يصبحوا سيئي الطبع. وأود أن أنوه أن الإصابة بأمراض مرحلة الطفولة الخطيرة أخطر بكثير من تعرض الطفل لعرض جانبي ناتج عن التطعيم. * التطعيمات تكسب الجسم مناعة، فهل هناك طرق أخرى لكسب المناعة؟ - يكتسب الإنسان نوعاً من المناعة الطبيعية بالتعرض المتكرر للجراثيم، والأطفال عند الولادة ولوقت قصير بعدها يكتسبون بعض المناعة من أمهاتهم بواسطة دم المشيمة فتوفر هذه المناعة المورثة حماية مؤقتة للمولود، كما أن الجسم يشكل مناعة فاعلة خلال صراعه مع الجرثومة المهاجمة، وتتكون من رد الفعل أجسام مضادة تدوم عادة مدة من الوقت أطول من حالة المناعة المنفعلة. * هذا يعني أن المناعة لها أنواع فما أنواعها؟ - تنقسم المناعة في جسم الإنسان إلى نوعين أولها مناعة طبيعية Natural immunit ومناعة مكتسبة Acquired immunity والمناعة الطبيعية وهبها لنا الله سبحانه وتعالى وهي وسائل دفاع طبيعية وغير مكتسبة للدفاع ضد الأمراض منذ الولادة وتشمل الجلد والأغشية المخاطية. وبالرغم من أن الجلد والأغشية المخاطية بتماس دائم مع جراثيم وطفيليات البيئة التي نعيش فيها، فإنها تشكل حاجزاً يعترض دخول العوامل المسببة للأمراض، طالما أنها سليمة، كما أن الفوهات الطبيعية لدينا كالأنف والفم والأذن طريق تسلكه الجراثيم للدخول إلى أجسامنا، لولا وجود الأغشية المخاطية والأهداب التي تغطيها والتي تقف حائلاً أمامها. ثانياً: الأحماض والخمائر حيث إن الأحماض الدهنية التي يفرزها الجلد، وحموضة المعدة، وحموضة المهبل، والخمائر التي توجد في دمع العين وفي سوائل الجسم الأخرى لها القدرة على الفتك بالجراثيم التي تحاول غزو الجسم. ومن وسائل الدفاع الأخرى البلعمة (خلايا البلع) فبعد أن تتخطى الجراثيم حواجز الدفاع السابقة والموجودة في مداخل الجسم وتصل إلى الدم والأنسجة، يقوم نوعين من خلايا الدم البيضاء بوظيفة البلعمة (أي تحيط بالجراثيم وتبتلعها ثم تفتك بها وتحللها وتعدمها في داخل الخلية). وأضافت د. حفيظة قائلة أن المناعة الطبيعية مناعة عامة لا تختص بنوع معين من الجراثيم ولذلك تسمى أيضاً (بالمناعة غير النوعية) للدلالة على عدم اختصاصها لنوع معين من الجراثيم وذلك عكس النوع الثاني من المناعة المتخصص لأنواع معينة من الجراثيم (مناعة نوعية) وهي المناعة المكتسبة. * وماذا عن المناعة المكتسبة المناعة؟ - يتم اكتساب هذا النوع من المناعة بعد تعرض الجسم لأحد أنواع الجراثيم، ولذلك سميت بالمناعة المكتسبة، وبما أنها تمتاز بصفة النوعية لأحد أنواع الجراثيم فيطلق عليها أيضاً اسم المناعة النوعية. عند تعرض الجسم لجرثومة معينة لأول مرة يتم خلال عملية البلعمة التعرف على جميع خواص الجرثومة من قبل خلايا المناعة (الخلايا الليمفاوية) ويتم تكوين وإفراز أجسام مضادة نوعية antibodies لهذه الجرثومة بواسطة أحد أنواع الخلايا الليمفاوية. وتقوم خلايا أخرى تسمى بخلايا الذاكرة باكتساب ذاكرة للخواص المميزة لتلك الجرثومة وبالتالي تصبح جاهزة لتكوين وإفراز أجسام مضادة بكميات كبيرة وبسرعة إذا ما تعرض الجسم لتلك الجرثومة مرة أخرى، التحصين بواسطة اللقاحات يعتبر طريقة آمنة لتعريض الجسم لمسببات الأمراض وبالتالي اكتساب مناعة ضدها. * وما أهمية التطعيمات منذ الولادة؟ - إن المولود ينتقل فجأة إلى بيئة جديدة لا تؤمن له نفس الراحة والحماية التي كان ينعم بها وهو في داخل الرحم، فحين يولد تكون لديه فقط مناعة شبيهة بمناعة أمه، وهذه المناعة الطبيعية التي انتقلت إليه من أمه بواسطة المشيمة لا تقيه من الأمراض إلا لفترة من الزمن لأنها تزول خلال الأشهر الأولى من حياته ويصبح بدون مناعة وعرضة للأمراض. ومن المسلم به الآن أنه إذا توفر للطفل التلقيح المبكر فإنه يستطيع أن ينتج أجساماً مضادة، ومع أن الأجسام المضادة المنتقلة من الأم إلى المولود تحدث مفعولاً جزئياً مانعاً يؤثر على تشكيل الأجسام المضادة الناتجة عن التلقيح، فإن هذا المفعول الجزئي لا يمنع جهاز الطفل نفسه من إنتاج الكفاية من الأجسام المضادة الفاعلة. فالتلقيح في سن مبكر ابتداء من الشهر الأول يثير حس الطفل إلى الجرعات المنبهة الأخرى من اللقاح أو إلى غزوة لاحقة من الجراثيم، وهناك عدد من أمراض الطفولة يمكن الوقاية منها وباستطاعتنا حماية الطفل من مثل هذه الأمراض عن طريق التلقيح، لهذا فالطريق الأفضل لضمان صحة أفضل للطفل هي الوقاية من الأمراض. والطريق الأفضل لمنع حدوث عدد من الأمراض مثل الحصبة، النكاف (أبوكعب)، حصبة ألمانية، الإلتهاب الكبدي الوبائي ب، وجدري الماء (عنكز)، السعال الديكي، الكزاز، الدفتيريا، شلل الأطفال، وأمراض أخرى هو التأكد على أخذ التطعيم المناسب وفي العمر المناسب حيث يلزم عدة جرعات للحماية التامة والفترة التي يتم تطعيم الأطفال خلالها تمتد منذ الولادة حتى عمر عامين، إلا أن هناك بعض الأمراض تحتاج لجرعات منشطة بين أربع إلى ست سنوات وعمر 11-12 عاماً. * وماذا عن تطعيمات الإنفلونزا؟ - حقيقة هذه التطعيمات فعالة جداً وهي مناسبة للأطفال للحالات الوقائية من الإصابة بمرض الإنفلونزا ويجب أخذها قبل فصل الشتاء ويبدأ مفعول هذه التطعيمات بعد عشرة أيام من أخذها وهي لمدة عام كامل، وننصح الأطفال بأخذ هذه التطعيمات. د. حفيظة حلبي