أحد الدروس الأساس للحرب ضد حزب الله سيكشف ان القوات البرية للجيش الإسرائيلي التي أرسلت للقتال في لبنان نشأت وتدربت في المناطق، وعنيت أساسا بالامن الجاري حيال الفلسطينيين، معظم الوحدات عنيت بنماذج قتالية تتناسب وقوات الشرطة، وليس لجيش نظامي يتصدى لجيش نظامي أو ضد منظمة كحزب الله تقاتل مثل جيش نظامي ومزودة بكميات كثيرة وكبيرة من السلاح الحديث، ولا سيما بالصواريخ الحديثة المضادة للدبابات، وفي جملة واحدة يمكن القول: ان القتال ضد الفلسطينيين (أفسد) الجيش الإسرائيلي كجيش نظامي ومتطور. لقد اشتهر الجيش الإسرائيلي كجيش امتاز في خطوات خاطفة، بالتفافات من العمق، بانزالات من البحر والجو، بالحسم السريع بطرائق التفافية وكذا باقتحامات جسورة، اما الجيش اليوم أو معظمه فقد عني على مدى السنين بأمور مختلفة ومثقلة من ناحية حسية وسياسية. بدءا بالقبض على خلايا العنف، بالعمليات الانتحارية، وحتى الإغلاقات وحظر التجول على السكان المدنيين بأعداد كبيرة، لقد امتاز بتشغيل الحواجز والاسيجة. كثير من رجال الاحتياط انشغلوا بمرافقة رجال جهاز الأمن الذين انطلقوا لتنفيذ اعتقالات، كتائب من جنود الاحتياط حرسوا معسكرات اعتقال للفلسطينيين. وبمفاهيم كثيرة، فإن قسما كبيرا من الجيش الإسرائيلي أصبح جيشا نظاميا لجهاز الامن العام، ليس هذا هو الجيش الذي عرفته إسرائيل في حرب يوم الغفران ولا حتى الجيش الإسرائيلي لحرب لبنان الاولى في العام 1982 - حربان اقيمت إثرهما لجنتا تحقيق رسميتين. الكثير من الفضائل والمزايا العملياتية المهمة ضاعت هباء على مدى السنين، لأن الجيش الإسرائيلي قاتل الحرب غير الصحيحة من ناحية عسكرية، وكان من الافضل مثلا لو أن مثل هذه الحرب خاضها حرس الحدود، فيما تدرب الجيش النظامي الكبير ومعظم وحدات الاحتياط على حرب اخرى. وأحيانا حتى التدريبات تكون مغايرة، فقد تبين أن معظم القادة، حتى في وحدات الخط الامامي في لبنان، نشأوا في القتال في المناطق، وهم يفكرون على ما يبدو بمفاهيم القتال ضد الفلسطينيين. وحدات مختلفة دخلت المعركة في لبنان حسب (النموذج الفلسطيني). فمثلا المعركتان الشديدتان في مارون الراس وبنت جبيل في لبنان كانتا (دخول وخروج) مثلما درج الجيش الإسرائيلي عمله مرات عديدة في قطاع غزة، وقد فوجئ الجيش الإسرائيلي في لبنان بنار الصواريخ المضادة للدبابات بكثافة، ومن مسافة كبيرة نسبيا، في قطاع غزة وفي الضفة كان الميل الفوري هو ايجاد مأوى في بيت مجاور. وفي لبنان قتل العديد من الجنود بنار السلاح المضاد للدبابات التي أطلقت من مسافة بعيدة واخترقت الحائط الذي اختبأوا خلفه. وعلى مثل هذه الامور لم يتدرب الجنود النظاميون عندما كانوا يقاتلون ضد الفلسطينيين. وفقط في أثناء المعارك بعد نحو اسبوعين صدرت تعليمات خاصة من قيادة الذراع البري بعدم الدخول إلى أي بيت للاختباء فيه، وعليه فقد قالت التعليمات في أي غرف يمكن إيجاد مأوى. في لبنان اضطر الجنود للقتال ضد الخنادق من تحت الارض مثلما فعل الامريكيون قبل سنين ضد الفيتكونغ في فيتنام. أحد اسرى حزب الله الذي سقط في يد الجيش الإسرائيلي في عيتا الشعب حيث وقعت عدة معارك شديدة، كان ينتمي إلى خلية مضادات دبابات. وروى بأنه على مدى التدريبات أتيح له المجال لأن يطلق النار على سبيل التجربة نحو 15 صاروخا باهظ الثمن، وفي الجيش الإسرائيلي ما كانوا يحلمون بإنفاق كهذا للصواريخ المضادة للدبابات حديثة الصنع، ولكن حزب الله درب ودرب وجمع التجربة. مثال آخر هو دخول مقاتلي غولاني إلى المعركة في لبنان، فقد انتقل اللواء من قطاع غزة إلى لبنان. هذا اللواء فائق وبمعنويات عالية، جنوده يسارعون إلى المعركة وقد فعلوا ذلك ببطولة، ولكن القادة لاحظوا أن قادة السرايا مثلا يجدون صعوبة في إيجاد الصلة المناسبة مع بطاريات المدفعية التي تساعده. ويتبين أن هذا مجال قلما تدربوا عليه، وأعطى الأمر مؤشراته على ذلك. وبتعبيرآخر فإن القتال الطويل ضد الفلسطينيين المختص بالارهاب حرف الجيش الإسرائيلي عن مهمته الاساس. كل من يبحث عن الدروس الصحيحة من الحرب ضد حزب الله ملزم بأن يجد لذلك شفاءً.